3666 144 055
[email protected]
مع ارتفاع وتيرة التغييرات الضرورية التي يطرحها صانع القرار في السعودية، بدءا بوزارتي التجارة والعمل وانتهاء بمجلس الشورى، والتي تستهدف إصلاح سوق العمل وتوفير الوظائف للسعوديين، تتصاعد أيضا وتيرة المعارضة لهذه القرارات والاقتراحات. من الممكن أن يكون السبب وراء الاعتراض على هذه التغييرات المقترحة عدم وضوح البرنامج والهدف. فكل جهة مسؤولة تعمل على حدة وبناء على أهداف مختلفة. فتسقط في خفايا هذه القرارات الإصلاحية بعض المصالح، مثل اقتراح مجلس الشورى إغلاق محال التموينات الصغيرة. فقد فسر هذا القرار على أنه يخدم شركات التجزئة الكبيرة ذات الانتشار العالي على مستوى المدن. ولكن لو تم الجمع بين هذه التوصيات والقرارات في برنامج واحد واضح المعالم والأهداف، لانتفى تضارب المصالح. وتأخذ المعارضة شكلا آخر فيما يخص قصر العمل في بعض الأنشطة التجارية على المواطنين السعوديين على أنها محاولة فارغة المحتوى لسعودة وظائف في أدنى السلم الوظيفي. ولذلك فإنها لا تلبي طموحات الشباب السعودي. فيما تغفل هذه المعارضة وجود احتياج كبير لمثل هذه الوظائف وكيف أنها ستوفر دخلا جيدا لشاغلها في حال تمت محاربة التستر بالشكل المطلوب.
أعتقد أن السبب الحقيقي وراء المعارضة لهذا التوجه الحكومي الجديد يكمن في صعوبة التغيير واعتياد المواطن السعودي على نمط حياة معين. نمط الحياة هذا يعتمد بشكل رئيس على العمالة الرخيصة التي توفر خدماتها بأقل التكاليف. وهو أمر طبيعي في الاقتصاد الرأسمالي الذي يبحث عن تخفيض تكلفة الإنتاج في مختلف مكوناته وعناصره. إلا أن هذا الاعتماد تحول إلى إدمان بات ينخر في الاقتصاد السعودي، بل حتى أنه أصبح شوكة في خاصرة توفير الوظائف للمواطنين. فالعمالة الرخيصة تمكنت من الاستحواذ والاحتكار على أنشطة اقتصادية، بل وحتى كامل سلسلة القيمة المضافة لتلك الأنشطة، بشكل أخرج المواطن السعودي منها وحد من قدرته على المنافسة. ولذلك فإن على الجهات الحكومية المنخرطة في هذه البرامج أن توحد جهودها إضافة إلى خلق ثقافة التغيير لدى المجتمع السعودي.
إدارة التغيير تتم عبر وضع الطرف المستهدف تغييره على صفيح ساخن، يخرجه من منطقة الراحة التي يسكن إليها. هذا الصفيح الساخن هو ما يعكس أهمية التغيير وأولويته للاقتصاد السعودي. من بدون التغيير لن نتمكن من توفير الوظائف ولا حتى تحويل الاقتصاد السعودي للاعتماد على ناتجه المحلي الخاص بعيدا عن النفط. وبالتالي فإن على البرنامج أن يصل إلى ذهن المجتمع السعودي ويصور فيه مكافحة التستر على أنه مبدأ وطني، على مستوى مكافحة الإرهاب والتطرف نفسه وكل ما يضر بأمن السعودية. فتفشي البطالة، وخصوصا بين الشباب، وعدم مقدرتهم على دخول سوق العمل الحر يضر بأمن هذه البلاد، وإن كان ذلك بشكل غير مباشر. إضافة إلى ذلك، فإن علينا أن نعي محدودية مواردنا الطبيعية. فعلى الرغم من تمتع السعودية بمخزونات هائلة من النفط، إلا أنها تفتقر إلى كثير من الموارد الطبيعية الأساسية للمعيشة كالماء والأراضي الصالحة للزراعة، الأمر الذي يضغط على موردنا الوحيد. ولذلك فإن تخفيض اعتمادنا على العمالة الرخيصة سيعود علينا نفعا بتخفيض استهلاكنا من النفط، وبالتالي توفير المزيد من الموارد للمواطن.
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734