3666 144 055
[email protected]
AbdullahHabter@
تترقب أسواق النفط، والأسواق العالمية ما سيسفر عنه الاجتماع الذي دعت إليه العاصمة القطرية الدوحة ووجهت الدعوة لحضوره لجميع أعضاء منظمة أوبك والمنتجين الكبار من خارج المنظمة، وقد سبق ذلك اجتماع عُقد في الدوحة حضره وزراء النفط في السعودية وروسيا وقطر وفنزويلا، نتج عنه اتفاق بتجميد الانتاج عند مستوى شهر يناير، وكان لذلك الاتفاق أثر في إفاقة وإزعاج أسواق النفط، وحرمانها من الهدوء الذي بدأت تتكيف معه.
والاجتماع المقرر عقده اليوم ، ليس كأي اجتماع سبقه منذ تأسيس المنظمة، فقد اكتسب أهميته جراء موافقة روسيا على حضوره، بعدما أبدت مرونة في تجميد الإنتاج، وهذه الأهمية تنبع من كونها أكبر منتج للنفط ، إذ يمثل إنتاجها نسبة تقدر بـ 10% من إجمالي الإنتاج العالمي، في حين يبلغ إنتاج دول أوبك مجتمعة 40% من الإنتاج العالمي للنفط، وبانضمام روسيا يصبح حجم إنتاج المجتمعين ما يزيد عن 50% من حجم الإنتاج العالمي ، فهل تكون تلك النسبة الكبيرة قادرة على التأثير على أسعار النفط، أما أنها تبقى فقط محصلة نسب تُقدر بنصف الإنتاج العالمي عاجزة عن إحداث أي ردة فعل في أسواق النفط تصب في مصلحة المنتجين.
تشكل أسعار النفط في مستوياتها الحالية مصدر إزعاج كبيرا يهدد اقتصاديات الدول الأكثر اعتمادا على النفط، ويبلغ حجم القلق التي قد تواجهها تلك الدول بناء على عدة عوامل منها نسبة ما تشكله إيرادات النفط لكل دولة من ميزانيتها السنوية، وفترة بقاء الأسعار في هذه المستويات، ومدى قدرة كل دولة على التكيف مع أوضاع أسعار النفط الحالية، إضافة لأسلوب التعامل مع العجز وحجمه سواء من خلال الحصول على قروض وبفوائد منخفضة، أو السحب من الاحتياطيات النقدية، والتي قد يؤدي إلى تآكلها خلال سنوات قليلة في ظل الظروف الحالية.
وتنظر وسائل الإعلام والأسواق العالمية لهذا الاجتماع باهتمام بالغ إذا أن اتفاق تجميد الإنتاج لم يعطي دعما قويا لأسعار النفط، ويتفق المحللون أن خفض الإنتاج من شأنه أن يؤدي لامتصاص فائض العرض، ويعزز الأسعار مستقبلا، وهنا نتساءل فيما لو اتفق المجتمعون على خفض الإنتاج، هل سيؤدي ذلك لارتفاع الأسعار، والعودة للأرقام الثنائية الكبيرة، تمهيدا للثلاثية، أم تصطدم بعقبات وعوائق تحد من ذلك.
وللإجابة على السؤال، ينبغي التطرق لبعض الأوضاع والمتغيرات اقتصادية، ومدى تأثيرها على أسعار النفط، إضافة للتوافق الزمني بينها والذي شاء الله سبحانه أن تجتمع فيه، وربما تعطي صورة أكثر وضوحا عن إمكانية النهوض بأسعار النفط من عدمها في حالة خفض وهذا ما سيتطرق له المقال في الأسطر القادمة.
فالملاحظ أن هناك حالتين اقتصاديتين مختلفتين بدأت تحدث تغيرا وتأثيرا في سلوك الاقتصاد العالمي إحداها تباطؤ وانخفاض في النمو الاقتصادي في الجانب الشرقي من الكرة الأرضية والمتمثل في ثاني وثالث الاقتصاديات العالمية ترتيبا وهما الصين واليابان، إضافة إلى كوريا الجنوبية، في حين بدأت حالة تعافي ونمو في الجانب الغربي والمتمثل في الاقتصاد الأمريكي.
ففي الجانب الشرقي شهد الاقتصاد الصيني تراجعا في نموه منذ 2010 إذ بلغ معدل نموه في تلك الفترة ما يقارب 10%، واستمر في الانخفاض بعد ذلك إلى ما يقارب 6.8% في 2015، أجبر ذلك البنك المركزي الصيني على اتخاذ سلسلة من الإجراءات لتنشيط الاقتصاد، خلقت في مجملها قلقا متزايدا لدى المستثمرين أدى لنزوح رؤوس أموال ضخمة من البلاد.
وبالنظر للاقتصاد الياباني الذي يعاني من حالة ركود طويلة، تزامن مؤخرا مع انخفاض في الصادرات، ولا أدل على ذلك من قيام البنك المركزي الياباني بإقرار الفائدة السلبية لتنشيط الاقتصاد والخروج به من نفق الركود، في حين يبقى الانخفاض الكبير في حجم الصادرات الكورية قلقا يطارد الاقتصاد الكوري، والذي لابد أن يلقي بضلاله على معدل نموه.
هذه الأوضاع الاقتصادية، والتباطؤ في النمو يعطي شكوكا في استجابة تلك الدول للطلب على النفط في حالة ارتفاع الأسعار، مع الأخذ بعين الاعتبار تزايد الاحتياطيات النفطية لدى الدول الصناعية نتيجة لانخفاض أسعار النفط، والتي تساعدها في التخفيف من الصدمات الناتجة عن ارتفاع الأسعار.
أما فيما يتعلق بالاقتصاد الأمريكي والذي بدأ يحقق معدلات نمو مقبولة نوعا ما، فارتفاع أسعار الطاقة يمثل تحديا للسياسات والخطط التي يسير عليها الاحتياطي الفيدرالي، قد يستوجب معه التدخل في أسواق النفط، بالتلويح أو الافراج عن جزء من الاحتياطي الاستراتيجي النفطي، والذي يُقدر حسب آخر إحصائية بـ 695 مليون برميل، وهذا الاحتياطي كفيل بالتأثير سلبا على أسعار النفط، وإحداث مزيدا من القلق لدى المتعاملين والمضاربين في البورصة النفطية.
ومع احتمال ارتفاع أسعار النفط في حالة خفض الإنتاج، تزداد آمال عودة النفط الصخري مجددا، فقد كان لانخفاض أسعار النفط أثرا بالغا في انخفاض منصات الحفر، مما أجبر بعض الشركات ذات التكلفة العالية على وقف أنشطة الاستخراج، أملا في عودة الأسعار لمستويات الربحية، واستئناف الإنتاج، والذي قد يؤدي لعودة الفائض، خصوصا إذا تزامن ذلك مع ضعف في الطلب، وفي تقرير نشرته إدارة معلومات الطاقة الأمريكية يفيد بتراجع تكاليف الحفر، وهذا من شأنه أن يزيد من الضغوط على الدول المنتجة، ويمثل تحديا قد يقلل فرص تحسن أسعار النفط.
ويبقى العائق الأخير والمتمثل في تصريحات بعض مسؤولي الفيدرالي عن احتمال رفع الفائدة الأمريكية، والذي سيكسب الدولار دعما، يزيد من قوته مقابل العملات الرئيسة، مما يعني ارتفاع سعر صرفه، وبالتالي زيادة تكلفة البرميل على الدول المستوردة، وتعطي قوة الدولار صورة واضحة في حركة أسعار النفط واتجاهها، من خلال مؤشر الدولار والذي يقيس قوة الدولار مقارنة بسلة من العملات الرئيسة، إذ يأخذ كلا منهما اتجاها مخالفا للآخر، فمع ارتفاع مؤشر الدولار تميل أسعار النفط للانخفاض، والعكس كذلك.
فبحسب البيانات التاريخية لمؤشر الدولار كان أقل قيمة له 71 نقطة في 2008 ، أدى ذلك لبلوغ النفط مستويات قياسية، إذا بلغ سعر البرميل ما يقارب 140 دولار، وذلك نتيجة لكمية السيولة الضخمة التي دخلت بورصة النفط، وزاد من حجم المضاربات في العقود الآجلة، في حين أن مؤشر الدولار حاليا يقترب من 95 نقطة، وبأخذ مؤشر الدولار عند نفس النقطة في عام 2003 نجد أن سعر النفط يتذبذب ما بين 30 إلى 37 دولار للبرميل تقريبا، وهذا يعني أن تذبذب مؤشر الدولار عند هذه النقطة أو أعلى منه يزيد من تكلفة البرميل، ويضغط على أسعار النفط لتبقى متدنية.
من هنا نخرج بصورة أكثر وضوحا عن الوضع المحتمل لأسعار النفط في حالة الاتفاق على خفض الإنتاج، فضلا عن تجميده، إذ أن محصلة العوامل السابقة الذكر، سيكون لها والعلم عند الله دور كبير في التأثير على أسعار النفط، والحد من ارتفاع الأسعار، وإيجاد مزيد من القلق يسيطر على أسواق النفط، تجعل المضاربين ينظرون لتلك الورقة المالية النفطية بحذر بالغ، ومصدرا لمزيد من الخسائر المحتملة، مما يجعلهم يحجمون عن المغامرة في سوق بدأت تحتاج للراحة من هيجان الأسعار.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734