الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كانت المرأة في السابق تدير المنزل بحسن التدبير المدعوم باستراتيجياتها الخاصة التي تواجه بها قلة الحيلة وبساطة الموجود. ولكن خلال بضعة عقود فقط تغيرت الأحوال وتجددت استراتيجيات إدارة المنزل ومتطلباته بشكل غير مسبوق. تداخلت متطلبات سيدة المنزل الشخصية وزادت المغريات حتى أن التنافس داخل الأسرة أصبح شديدا جدا بين مجموعة من المستهلكين الذين يرتشفون من المورد نفسه في معظم الحالات، ولا يحصل فيها التوزيع العادل والمرضي كل مرة. قد يطالب الطفل بالمزيد من ألعاب الفيديو والأم بحقيبة فاخرة والأب يسافر من حين إلى آخر ويتم تجاهل أمور أكثر أهمية تؤثر في جودة حياتهم المستقبلية، حينها لا تتضاءل أرصدة الأموال فقط بل حتى أرصدتهم من الثقافة المالية تتضاءل وتصبح أكثر هشاشة معرضين أنفسهم للمخاطر.
أما اليوم فزخم المتغيرات شديد جدا لدرجة أننا بدأنا نشعر في الأسابيع والأشهر الأخيرة ـــ وليس السنوات فقط ـــ أن القادم يحمل الكثير مما يستوجب الاستعداد والتخطيط، بل إن الأحداث والأخبار ذات الأبعاد الاقتصادية تكثر لدرجة أننا لا نستطيع استيعاب ما تحمله من تفاصيل.
تعمل اليوم المرأة بطرق لم نشهدها سابقا، تتحسن فرص حصولها على الدخل ـــ ولكن هذا لا يعني بالضرورة تحسن طريقة استخدامها له – إضافة إلى تطور المغريات التي تستهدف الرغبات الشخصية وزيادة الضغوط على مستوى البيت والأسرة. تكلفة المواصلات ارتفعت والماء لم يعد وكأنه بالمجان وتكلفة السكن لا تزال في حالة واضحة من عدم اليقين وعدد الساعات التي لا ندفع النقود فيها تقل كل يوم. هذا كله يعني باختصار أن المرأة في حاجة إلى نسخة جديدة من التدبير المالي على المستوى الشخصي كي تعمل بشكل أفضل داخل دائرة تأثيرها كذلك.
معظم الحراك العالمي المتعلق بقدرات المرأة من النواحي المالية يرتبط بالفروق بين الجنسين والنظر في أسباب هذه الفروق وكيفية تقليصها. تشير الإحصاءات إلى أن المرأة في معظم بلدان العالم تحصل على دخل أقل من الرجل وتقوم بصرفه بطريقة أسوأ، حتى لو حازت القدر نفسه من التأهيل. بل إن هناك ما يشير إلى أن تدني تعليمها يضاعف من تدني ثقافتها المالية، فتكون دائما عرضة للاستغلال المالي والسلوكيات السيئة ماليا بسبب افتقارها إلى بعض الأساسيات والأدوات. تقول الأرقام إن 50 في المائة فقط من النساء في دولة متقدمة مثل بريطانيا يعرفن كيفية احتساب الفائدة المركبة، بينما يعرف ذلك أكثر من 75 في المائة من الرجال في البلد نفسه. وفي بولندا لا يعرف أكثر من 60 في المائة من السيدات أن عوائد الاستثمارات المرتفعة مرتبطة بالمخاطر المرتفعة بينما لا يعرف هذه المعلومة المهمة 45 في المائة من الرجال البولنديين. تقليص هذه الفروق هو جوهر الدعوات العالمية التي تطلقها منظمات مثل منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي والبنك الدولي وغيرهما لأنها مؤثرة في جودة القرارات التي تتخذها المرأة وبالتالي جودة حياتها.
وضع المرأة في الدول النامية وتلك الأقل تطورا أكثر تدهورا من دول العالم الغربي وتلك الدول التي اعتادت على وجود المرأة العاملة منذ فترة ليست قصيرة. ولكن تبدأ الأمور بالاتجاه نحو الإيجابية إذا كانت معدلات النمو والتغير في التعليم والإنتاجية متجهة للأعلى. وهذا ما يحصل على سبيل المثال محليا إذ تضاعفت أعداد العاملات في القطاع الخاص بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، ويرافق ذلك عدة مؤشرات أخرى مثل النمو في أعداد اللاتي حصلن على التعليم العالي المتميز محليا وخارجيا وإجادة معظمهن لغة ثانية مع انتشار ممارسات العمل الاجتماعي والريادي المبتكرة. كل هذه العوامل تلمح لنا بأن الأدوار المنتظرة من المرأة في إدارة الشؤون المالية ضمن دائرة تأثيرها لم تعد محصورة على التدبير اليومي وليست حتما تابعة لدخل الرجل المنفرد، بل هي اليوم شراكة مؤثرة داخل كامل دائرة تأثيرها المادية والمعنوية التي تتسع كل يوم.
ساعد كثير من الفتيات أسرهن على حل الأزمات المالية بعد حصولهن على الوظيفة، وغيرهن جعلن الدخل الجديد مصدرا للهدر. ولكن المسؤولية المالية على المرأة لا تقتصر على حل الأزمات وإنما تنبع أساسا من فلسفتها في استثمار استقلاليتها والتأثير بخبرتها الجديدة في سلوكياتها وسلوكيات الآخرين من حولها. ومن ذلك التخطيط الاستراتيجي طويل المدى ـــ بما في ذلك مرحلة تقاعدها كامرأة عاملة ـــ والمشاركة المجتمعية في الاستعداد للتحديات الاقتصادية الجديدة بحسن التدبير وترويج الممارسات الإيجابية. لا يختلف أحد على قوة تأثير المرأة في من حولها ــــ تثبت الدراسات دور الأصدقاء والأقارب في زيادة الوعي المالي – وهذا ما يحفز دورها في القيادة المالية الذي لن يبدأ إلا بتعزيز ثقافتها المالية الشخصية أولا، حتى تؤثر في سلوكيات الزوج والأبناء والوالدين والأصدقاء وتؤكد دورها كعامل بناء مهم في مجتمع تحفه التحديات المالية والاقتصادية بشكل مختلف كل يوم.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال