3666 144 055
[email protected]
محلل مالي في شركة استشارات مالية عالمية
بعد شهور من الترقب والتوجس تم الإعلان عن الاستراتيجية الوطنية لمرحلة مابعد النفط (رؤية السعودية ٢٠٣٠م). اُشبع الموضوع طرحاً ونقاشاً ولكن من أجمل ماكان هو حديث مهندس الرؤية ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان, والإعترافات التي أطلقها بصراحة لأول مرة وهي (إدماننا على النفط وركوننا نحو الخطط القديمة وتأكيده على ضرورة التغيير).
كانت السعودية لعقود تعمل على خطط خمسية رائعة الصياغة وواسعة الآهداف ولكن بلا مؤشرات ولا مقاييس أداء ولا موائمة بين قطاعات وأجهزة الدولة وبذلك آلا معظمها للفشل في تحقيق أبسط الأهداف الرئيسية وأصبحت عديمة الموثوقية.
أطلت علينا رؤية السعودية ٢٠٣٠ بشكل مختلف ،وبفكر يجاري فكر غالبية المجتمع السعودي والذي يمثل الشباب حوالي ٥٠٪ من سكانه بإعتراف وتشخيص صريح للمشكلة وبإنتفاضة كاملة على أسلوب العمل القديم وبطموحات عالية يستحقها هذا البلد العظيم.
طموح القيادة الشابة كان عالياً ومشروعاً وذلك إستناداً على ثلاث مرتكزات وقوائم أساسية لا تتوفر إلا في بلدنا الثري (العمق العربي والإسلامي والموقع الجغرافي الفريد والقوة الإستثمارية الهائلة) ومنها تفرعت عدد من الأهداف والمحاور المستهدفة بعناوين رئيسية محددة ( 1- إقتصاد مزدهر , 2- مجتمع حيوي , 3- وطن طموح ) وتنضوي تحت هذه العناوين عدد من الأهداف المحددةبدقة والمبادرات والأدوات المساندة.
لايسع المجال للتطرق والتعليق على كافة الأهداف والمحاور, ولكني سأتطرق من منظور شخصي على أهم هذه المبادرات والأهداف – من وجهة نظري – وهي (التعليم و هيكلة مركز الملك عبدالله المالي والدور الأكبر المستهدف للمنشآت الصغيرة).
“التعليم القوي” الذي يفتح المجال للإبداع والإختراع والتطوير والبحث والريادة على العالم في مختلف المجالات هو العماد الأساسي لتحقيق النجاح. أقوىدول العالم كالولايات المتحدة الأمريكية كان من ركائز نجاحها الاساسية تعليمها القوي بجامعاتها ومراكز أبحاثها وحرية الإبداع والإبتكار. الأمة الإسلامية قدمت للعالم أعظم حضارة في قرون مضت كان أساسها التعليم, فبلا تعليم قوي لا يمكن أن تتقدم إقتصادياً ولا سياسياً ولا إجتماعياً.
الركيزة الثانية هي الإقتصاد القوي وهو ما يُمثل في مركز مالي عالمي الذي يفتح آفاق الثقة والسمعة والنفوذ, فالدول المتسيدة سياسياً هي الدول الأقوى إقتصادياً والأكثر إنفتاحاً وتجارةً مع العالم الخارجي, إعادة هيكلة مركز الملك عبدالله المالي وجعله منطقة حرة مستقلة تنظيمياً وتشريعياً سيجعله بإذن الله مركز جذب مالي للعالم.
وهنا أشير لما إقترحته سابقاً وهو ضرورة وجود محكمة الرياض المالية المتخصصة في تشريعات وقضايا التعاملات في مركز الملك عبدالله المالي “فليست المباني ولا المرافق ولا حداثتها أو تطورها بإساس لمركز مالي قوي وجاذب ولكن النظام التشريعي والقانون التنفيذي والموثوقية هي أهم أسس البنية التحتية الجاذبة للمراكز المالية والإقتصادية في العالم” هنا.
الركيزة الثالثة هي دور الشركات الصغيرة والمتوسطة (أقل من 500 عامل) فيالاقتصاد ومساهمتها في دعم نموه, ذكرت الرؤية أن المنشآت الصغيرة تساهم بنسبة لا تتعدى 20% من الناتج المحلي الإجمالي للسعودية مقارنة بالنسبة التي حققتها الاقتصادات المتقدمة التي تصل إلى (٧٠%). ولأهميتها تمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة العمود الفقري لإقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية حيث توظف حوالي 50% من العاملين في القطاع الخاص (2015م) وتُسهم في توليد أكثر من 65% من الوظائف الجديدة في القطاع الخاص(2015م) وهي منطلق الإبداع والنمو في الاقتصاد الأمريكي.
إن زيادة دور الشركات الصغيرة والمتوسطة يدعم بشكل مباشر زيادة دور الشباب في الإقتصاد, حيث غالبية الشركات الصغيرة والمتوسطة هي شركات شبابية مما سيعزز من تمكينهم ونمو إبداعاتهم.
الجميل أن الرؤية السعودية أعترفت بالأخطاء والأخطار وعملت على إستشراف المستقبل ولم تُغفل هذه الركائز الثالث التي تمثل أساس قوة ونمو الدول العظمى في العالم (التعليم–الإقتصاد–الشباب).
يبقى التحدي الأكبر بتحقيق هذه الرؤية الطموحة هي تنفيذ الأحلام لواقع وهذا لن يكون بدون إقتناع ومشاركة المواطن وكل من له دور في مختلف المحاور. اليد الواحدة لا تعمل يجب أن نكون اليد الأخرى لنبني وطن المستقبل.
ايضاً نحن على موعد في الأيام المقبلة للكشف عن الأدوات المساندة لتحقيق رؤية السعودية 2030م ومنها برنامج التحول الوطني وتمكين العنصر البشري السعودي والتوسع في الخصخصة وتوسيع حوكمة العمل الحكومي وبرنامج داعم وبرنامج قوام وغيرها.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734