إدمان النفط: ترهُّل اقتصادي وإداري واجتماعي

    وفِّق الأميرُ الشاب الشجاع محمد بن سلمان ولي ولي العهد في تشخيص حالنا بأنه (إدمان نفطي) فقد مرّت عقود طويلة من الاعتماد المطلق على (النفط) اقتصاديا وإداريا واجتماعيا، حتى أصابنا الترهُّل في أكثر المفاصل الحيوية، فكثُر الهدر والإسراف والاتكالية والاعتماد على الوافدين في الأعمال المنتجة، وتركّز الجهد على الكسب السريع السهل ولو بالفساد أحياناً، وانتشرت البطالة المقنّعة والسافرة بين كثير من المواطنين الذين أصّل النفط في أكثرهم حُب الكسب السهل والعمل العجل والصرف بإسراف وكثرة الأسفار والاعتماد على الوافدين في معظم الأعمال (حتى في المنازل وربما في تربية الأطفال) وانتشرت مظاهر وظواهر غريبة عنا كالمباهاة والتفاخر بالمنازل الفاخرة والسيارات الفارهة والأسفار المكرورة والبذخ في الولائم وحفلات الزواج، بحيث أصبح (الإنتاج الحقيقي) لكثيرٍ من المسرفين لا يُساوي عُشْرَ مايصرفون ويسرفون، ونال ذلك الإدارة الحكومية في كثير من مرافقها ذات المباني الفاخرة المكلفة جدا وغير (الوظيفية) مع تدنّي إنتاجية الموظف الحكومي وغياب قياس الأداء واعتبار الوظيفة الحكومية (تكية) عند كثيرين، أو وسيلة للثراء غير المشروع عند البعض، بدليل أن ودائع مصارفنا مجتمعة أقل من ميزانية المملكة (لسنة ونصف) في عزّ ارتفاع النفط، لوجود ثقوب سوداء تبلع العائدات من تحويلات الوافدين إلى إسراف المواطنين إلى هجرة أموال بعض الفاسدين خوفاً.

وعمّق تلك السلوكيات الخطيرة ارتفاعُ أسعار النفط وتضاعف الإنفاق الحكومي والمغالاة في تثمين العقارات وتكلفة المشروعات وتراكم المشروعات في وقت قصير (وكثيرٌ منها بلا عائد يوازي عشر تكلفتها ناهيك عن صيانتها)..

لذلك فإن إقرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله- (رؤية المملكة ٢٠٣٠) يُعتبر حدثاً تاريخياً عظيماً ينقل الدولة والمجتمع من حالة (الاستهلاك والإسراف والاستنزاف) الى (حالة الإنتاج والرشاد والادخار والاستثمار) بتنويع الموارد وتحفيز القطاع الخاص ومحاربة الهدر والفساد والاعتماد على المواطن المنتج، وتحسين بيئة العمل وتشجيع الشباب وتدعيم الابتكار.

ونحن المواطنين أجمعين مطالبون بالتفاعل والتجاوب مع هذة الرؤية التي تصنع مستقبلنا ومستقبل أجيالنا، وذلك بمضاعفة العمل الجادّ ونبذ الهدر والإسراف والفساد، والاعتماد على أنفسنا وسواعد شبابنا ، وتأصيل (ثقافة الادخار والاستثمار) فلنعمل معاً، دولة وشعباً، لتحقيق (التنمية المستدامة) التي يكون المواطن فيها هو الوسيلةَ والغاية.

إننا نتطلع، بحول الله، إلى مستقبلٍ مُشْرق في ظلّ قيادة خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، وولي ولي عهده الكريم.

نقلا عن الرياض