الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بعيدا عما يحدث في البرازيل وما يمر به – سواء على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي– في هذه الفترة الحالية من أزمات و حالة من عدم الوضوح في الرؤية وفقدان الثقة فإنه لابد من التحدث عن تجربة البرازيل الريادية وخاصة خلال فترة حكم الرئيس الأسبق لويس ايناسيو دا سيلفا (لولا) التي امتدت من عام 2003- 2010 م، وما تم خلالها من قفزات كبيرة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية حتى لو كانت هناك أخطاء قد وقعت، فإنها تبقى تجربة تستحق الوقوف عندها وأخذ المفيد منها. إن سبب ربطي بين برازيل لولا والمملكة هي إننا في فترة تحول تاريخي كبير وخاصة بعد موافقة مجلس الوزراء في الأسابيع الماضية على رؤية السعودية 2030، لتكون هذه الرؤية هي القاعدة الصلبة – بمشيئة الله- والخطوة الأولى في رحلة هذا التحول إلى سعودية جديدة قوية سياسيا، اقتصاديا، شعبيا، إقليميا، متنوعة الموارد والعوائد، سعودية ما بعد مرحلة النفط بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وولي ولي العهد صاحب هذه الرؤية الطموحة والواضحة الاهداف والمعالم. بالعودة إلى برازيل لولا فإن هناك تشابه بين ما نمر به الآن من مرحلة تحول وما مرت به البرازيل خلال حكمه – لولا – مع اختلاف ثقافي اجتماعي تاريخي سياسي اقتصادي إقليمي. فالبرازيل باختصار شديد كانت تعرف هي ودول امريكا اللاتينية بالحديقة الخلفية للبيت الأبيض وذلك تحقيقا لمبدا مونرو*، حتى تغير هذا الوضع وخاصة في فترة حكم لولا وانتقلت البرازيل من بلد يعاني من ضعف في الاقتصاد والسياسة والبطالة وتفاوت كبير في العدالة الاجتماعية والفقر الى بلد قوي اقتصاديا – حيث احتلت البرازيل المرتبة السادسة اقتصاديا عام 2011م متقدمة على بريطانيا -وأصبحت لأعب سياسي مهم على المسرح الدولي وخاصة على مستوى أمريكا الجنوبية وأصحبت عضواً في مجلس الأمن الدولي وإحدى الدول المؤسسة لتجمع البريسك – البرازيل، روسيا، الهند، جنوب إفريقيا، الصين- وعضو في مجموعة العشرين. وشهدت كذلك تحسناً في مستوى الحياة المعيشية للشعب البرازيلي؛ حتى إن الأزمة المالية الدولية التي عصفت بالعالم عام 2008 م، مرت على البرازيل كسحابة صيفا عابرة ولم يكن لها أي أثر على الحياة اليومية والاقتصادية في البرازيل، وهذه كانت النتيجة طبيعية للإجراءات الاقتصادية والخطط والبرامج الاجتماعية التي قامت بها واتخذتها البرازيل في عهد الرئيس لولا. باعتقادي إن أهم أسباب نجاح هذه التجربة هو شخصية الرئيس لولا البراجماتية والكاريزماتية، والتي تتسم بوضوح الرؤية وجلاء الأهداف والطموح والرغبة في تغيير واقع البرازيل إلى الأفضل. استطاعت حكومة لولا تخفيض العجز الرسمي للبلاد من 12,53 % في نهاية 2002 م إلى متوسط عجز سنوي يقدر 4,5% – مع حساب هامش 2% بالزيادة أو النقص – خلال فترتي حكمه، وكذلك حقق الناتج المحلي الإجمالي للبرازيل تحسناً كبير وكان متوسط هذا الناتج خلال الفترة نفسها 4% . خلال إدارة لولا للبرازيل تمت تسوية وتسديد ديون البرازيل للصندوق الدولي – والتي كانت تركة ورثتها حكومته من الحكومات السابقة -، وأدى هذا الإجراء إلى تحسين المكانة الاقتصادية للبرازيل وكذلك تصنيفها الائتماني. أنهى الرئيس لولا فترتي حكومة وكان لدى البرازيل في 31/12 / 2010 م احتياطيات من العملة الصعبة في خزائن البنك المركزي بلغت 288,570 مليار دولار أمريكي، بينما بلغ الاحتياطي الأمريكي في نفس التاريخ 37,65 مليار دولار أمريكي!. انخفض معدل سعر الفائدة في البرازيل من 25% في عام 2003 م – عندما تولى لولا منصبه – إلى 8,75 % في يوليو 2009 م، وهو أدنى مستوى في تاريخ البلد. كانت حكومة لولا مسؤولة عن إنشاء 2600 كلم من الطرق الاتحادية عن طريق تخصيصها، وكذلك تم تخصيص ما مجمله 720 كلم من خطوط السكك الحديدة والتي ربطت بين بعض المدن في الشمال والجنوب، وانخفض معدل الفقرمن 40 % عام 1990 م إلى 1,9 % في عام 2006 م. علىالصعيد الاجتماعي وضعت الكثير من البرامج الاجتماعية منها برنامج بوسا فاميليا والذي يستهدف مساعدة الأسر شديدة الفقر ماديا وخاصة في شمال البرازيل، وكذلك برنامج مكافحة الجوع المسمى بـ”الجوع صفر”، وكذلك برنامج “أول وظيفة”والذي يساعدالشباب البرازيلي في تهئيته للسوق العمل ، و كذلك في الحصول على أول وظيفة له في سوق العمل، وهذه البرامج حققت نجاحاً بشكل متفاوت. نستطيع في المملكة أن ناخذ ونستفيد من البرامج والخطط التي تم تنفيذها في البرازيل خلال حكم الرئيس لولا، وكانت سببا وعاملا أساسيا في تحسين وتطوير البرازيل وحل – ولو جزئيا – لبعض المشاكل الاجتماعية والتي عانى منها الشعب البرازيلي لعقود طويلة، بما يلائم ورؤية السعودية 2030 م، وعلى سبيل المثال مشكلة الإسكان والتي هي من أهم المشاكل التي تلامس الحياة اليومية والمالية للمواطن العادي في أي مكان في العالم والمملكة، والتي كانت على رأس اهتمام القيادة في وطني الحبيب، وبند من البنود الرئيسية في رؤية السعودية 2030 م. ومن البرامج التي نستطيع أن نستلهم منها الفوائد ومحاكاتها، برنامج “بيتي حياتي” وهو المسمى الذي اطلقته حكومة الرئيس السابق لولا لحل معضلة الاسكان، والذي تم اعتماده في مارس من عام 2009 م. عانت البرازيل من عجز في الوحدات الإسكانية مقداره 7,2 مليون وحدة ، وهذا أدى إلى ظهور الأحياء العشوائية وخاصة في المدن الرئيسية الكبرى مثل سان باولو والريو دي جانيرو، وماترتب على ذلك من ظهور مشاكل اجتماعية في الأمن والصحة والتنظيم الحضري وغيرها. هذه المشاكل كانت السبب الرئيس في قيام حكومة لولا بوضع هذا البرنامج والذي يعتبر أكبر مبادرة حكومية لتلبية الاحتياجات السكنية للأسر ذات الدخل المنخفض والمحدود من الشعب البرازيلي، ولضمان تملكها لسكن لائق مع تحقيق معايير الاستدامة والسلامة والصلاحية للسكن. استهدف البرنامج بناء مليون وحدة سكنية وحل ما نسبته 14% من العجز في المساكن في البلاد في ذلك الوقت . كانت الفكرة المحورية للبرنامج هي تقسيم الشعب البرازيلي إلى أربع شرائح يشملها حسب دخل الأسرة الشهري، وبحيث لا يرهق القسط الشهري كاهل الأسرة ويكون سبباً في الاخلال بالالتزمات اليومية للأسرة. إنالشرط الرئيسي للأسر حتى يشملها هذا البرنامج أن تكون من ضمن الشرائح المستهدفة، وكذلك فإن الأسر التي لم يشملها البرنامج يمكن أن تستفيد من البرنامج بشرط عدم تملكها لسكن خاص أو قد حصلت على قرض أو أي دعم ذو طبيعة سكنية من قبل الحكومة الاتحادية، ولابد من الذكر والتأكيد على أهمية القطاع الخاص فقد تم اشراك القطاع الخاص في هذا البرنامج وكذلك البنوك العامة والخاصة لتنفيذ هذا البرنامج وتحقيق أهدافه، لأنه منالمستحيل أن تستطيع الحكومة وحدها تحقيق أهداف هذا البرنامج. “بيتي حياتي” كان مسؤلاً عن 81% من القروض الإسكانية في الفترة من يونيو 2009 م إلى يونيو 2010 على مستوى البرازيل. استطاع هذا البرنامج تحقيق أحلام الكثيرين من الشعب البرازيلي في تملك سكنهم الخاص بعد أن كان هذا الحلم بالنسبة صعب المنال وفضلا عن هدفه الاجتماعي الرئيسي فإن هذا البرنامج ساهم في توفير فرص وظيفية جديدة وزيادة في دخل العاملين في قطاع البناء والتشييد مما كان له الأثر المباشر على الاقتصاد البرازيلي في أغلب المجالات. لقد نجح هذا البرنامج في البرازيل، وأصبح من البنود الأساسية في حملة أي مرشح سواء على مستوى حكام المدن أو الولايات أو حتى رئاسة الجمهورية وعلى اختلاف التوجهات الحزبية وانتمائها، وأكبر دليل الانتخابات البرازيلية الماضية التي تمت في عام 2015م. أن هذا النجاح يدعوني إلى الأمل والحلم بأن تحقق رؤية السعودية 2030 م، أحلامنا في هذا الوطن العظيم، وتستطيع جميع فئات المجتمع من تملك منزلها الخاص، بما يتناسب مع مدخولها. وهذا الأمل مبعثه ايماني بقدرتنا في المملكة على تحقيق جميع ما نحلم به في ظل هذه القيادة الحكيمة و الطموحة. أخيرا فإني أكتب عن هذه التجربة البرازيلية في عهد لولا، ليس كشخص بعيد عن الواقع والشعب البرازيلي، ويستمد كل ما يكتب من نشرات الأخبار والصحف والمؤسسات العلمية العالمية المهتمة بالشأن البرازيلي، بل أنا كنت شاهد عيان على هذا التحول والتغيير، بحكم إقامتي في البرازيل منذ أكثر من 12 عام وبحكم علاقاتي واحتكاكي اليومي بالشعب البرازيلي على اختلاف مشاربه السياسية والاقتصادية الاجتماعية. ——————————————- * مبدأ. مبدأ مونرو بيان أعلنه الرئيس الأمريكي جيمس مونرو في رسالة سلّمها للكونجرس الأمريكي في 2 ديسمبر 1823م. نادى مبدأ مونرو بضمان استقلال كلِّ دول نصف الكرة الغربي ضد التدخل الأوروبي بغرض اضطهادهم، أو التّدخّل في تقرير مصيرهم. ويشير مبدأ مونرو أيضاً إلى أن الأوروبيين الأمريكييّن لايجوز اعتبارهم رعايا مستعمرات لأي قُوى أوروبية في المستقبل. والقصد من هذا البيان هو أن الولايات المتحدة لن تسمَح بتكوين مستعمرات جديدة في الأمريكتين، بالإضافة إلى عدم السماح للمستعمرات التي كانت قائمة بالتوسع في حدودها .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال