3666 144 055
[email protected]
تناولت صحيفة الفايننشال تايمز الأسبوع الماضي، في مقال بعنوان: دونالد ترامب، فلاديمير بوتين وإغراء الشخصية القوية، ظاهرة الرؤساء الأقوياء. والصحيفة تؤرخ لهذه الظاهرة بعودة بوتين رئيساً من جديد إلى روسيا عام 2012 ثم بعد ذلك مجيء شي في الصين. والأمر نفسه تكرر في الهند عندما فاز مودي وكذلك أردوغان بالرئاسة في تركيا ومؤخرا رودريغو دوتيرتي في الفلبين. وعلى هذا الأساس فإذا ما انتخبت الولايات المتحدة في الحملة القادمة رونالد ترامب فإن ذلك سوف يعني أن هذا التوجه قد أصبح مسيطراً في العالم.
وبعيداً عن تحليلات الصحيفة المشار إليها فإن هذه الظاهرة ليست غريبة أولاً ولا يمكن تفسيرها ثانياً بإغراءات الشخصية القوية وحدها. فالعالم قد عرف هذه الظاهرة قبل عام 2012 بكثير. فعلى ما يبدو لي فإن الأمر هنا شديد الصلة بالأوضاع الاقتصادية. فنحن نلاحظ إن البلدان عندما تواجه تحديات صعبة فإن الناس تميل إلى الشخصيات والقيادات القوية التي تعلق عليها آمالها. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، بادر الأمريكيون عندما أصاب بلادهم الكساد العظيم بانتخاب الشخصية المتميزة فرانكلين روزفلت الذي أولوه ثقتهم للخروج بهم وببلادهم من الأزمة الاقتصادية. وهذه الثقة أدت، كما لم يحدث لأي رئيس أمريكي آخر، إلى إعادة انتخاب روزفلت بعد ذلك ثلاث مرات. وبهذا أصبح الرئيس الأمريكي الوحيد الذي انتخب أربع مرات متتالية. كذلك المملكة المتحدة أبان الحرب العالمية الثانية قد اختارت الشخصية القوية ونستون تشرشل لقيادة البلاد إلى النصر.
بالمثل فإن الأمريكيين إذا ما انتخبوا خلال الأشهر القادمة رجل الأعمال ترامب فإن ذلك يدل، كما قال هذا الأخير، على الرغبة في الخروج من الفقاعة الاقتصادية التي أصبحت تهددهم. فهذه الفقاعة، كما يرى مرشح الحزب الجمهوري المحتمل، إن انفجرت فإن الضرر سوف يلحق بالجميع. ولذلك فإن الأمريكان ربما يفضلون رونالد ترامب على هيلاري كلينتون. لأنهم قد يروا فيه شخصية قوية قادرة على إعادة بناء بلدهم من جديد بعد أن تحولت، كما يقول الملياردير، إلى أمة تعيش على الديون.
وعلى ما يبدو لي فإن بلدنا يندرج ضمن السياق المشار إليه. فالتفويض الشعبي والتأييد القوى للقرارات التي اتخذت منذ مجيء الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-سواء في المجال العسكري أو الاقتصادي أو في الإدارة، تعكس ليس فقط الثقة وإنما الطموحات التي تعلقها مختلف أطياف المجتمع على الجهود التي تبذلها الحكومة من أجل إعادة هيكلة الاقتصاد ورفع كفاءة استغلال الموارد. فقطاع الأعمال ينتظر بفارغ الصبر الانخراط في ورشة إعادة البناء وهيكلة الاقتصاد الذي سوف يؤدي من ضمن ما يؤدي ليس فقط إلى رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي وإنما أيضاً إلى تقليص عدد العاطلين عن العمل. ولهذا فإن المواطنين، الذين سوف يقع على عاتقهم عببء ليس قليل، ينتظرون بدورهم أن تؤدي عملية إعادة بناء الاقتصاد إلى حصولهم عما يعوضهم مقابل صبرهم. فالأمل يحدوهم أن تقود الجهود المبذولة لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط إلى تحسين أوضاعهم ورفع المداخيل التي سوف يحصلون عليها هم ومن ثم أبناؤهم بعدهم.
نقلا عن الرياض
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734