الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ذكرت وكالة الأنباء السعودية واس أن مجلس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في جلسته المنعقدة يوم أمس الثلاثاء، برئاسة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، اعتمد إطار حوكمة تحقيق “رؤية المملكة العربية السعودية 2030”.
واشتمل النموذج تفصيلاً لأدوار ومسؤوليات الجهات الحكومية ذات العلاقة بتحقيق “رؤية المملكة العربية السعودية 2030” ، وآليات التصعيد المتبعة لتذليل العقبات التي قد تعيق تحقيق البرامج التنفيذية لأهدافها.
سأل سائلون عن معنى حوكمة تحقيق الرؤية؟
اما تحقيق الرؤية فالمعنى مفهوم. باختصار، تحويل النظري إلى عملي. وكما عبر كثيرون أن عندنا مشكلة في هذا التحويل، أي تنفيذ ما يخطط أو يقرر.
جوهر الموضوع الحوكمة. والمقصود اخضاع التنفيذ من خطوات وأدوار وأدوات وآليات ومسؤوليات وخلافها إلى حوكمة. فما معنى الحوكمة؟
حقيقة، كثر تداول فكرة ومصطلح قافرنانس governance في العقود الثلاثة الأخيرة، من قبل المتخصصين في التنمية والدراسات الحكومية إدارة واقتصادا، كما تزايد الاهتمام بها من قبل المنظمات الدولية والإقليمية ذات الاهتمام بالتنمية، باعتبارها منهجية لتحقيق التنمية المجتمعية في الدول النامية خاصة، نتيجة القصور في أداء وفعالية الإدارات الحكومية، والتي ازدادت حدة مع التحديات العالمية كالعولمة والتجارة العالمية الاكثر انفتاحا وسرعة انتشار المعلومات، مضافا إليها التحديات الداخلية كالفقر والبطالة.
المصطلح يعني ممارسة السلطة على نطاق أوسع من نطاق الحكومة، فهو كما يفترض أن يضم أيضاً قوى وعناصر تنتمي إلى القطاع الخاص والمجتمع المدني. والمصطلح يدخل فيه تشكيلة تعكس الطبيعة المعقدة لمجتمعات اليوم، وهذه التشكيلة قوامها آليات ومؤسسات وسوق وبناء اجتماعي.
تبنى البنك الدولي الترجمة “حكمانية” للمصطلح “قافرنانس”، والذي يعرفها البنك الدولي بأنها ممارسة السلطة واستخدام الموارد المؤسسية لإدارة مشكلات وشؤون المجتمع. وقد يعدل هذا التعريف إلى تركيب السلطة والتعاون الجماعي لتوزيع الموارد وتنسيق الأنشطة في المجتمع أو الاقتصاد. والهدف تحقيق مزيد من الشفافية والمسؤولية والفعالية والمشاركة العامة وحكم القانون.
ويمكن القول تساهلا بأن الحكمانية (القافرنانس) تعني ممارسة السلطة في إدارة شؤون الدولة، بما يشبه كثيرا أسلوب ممارسة السلطة في الشركات المساهمة: حيث يمارس حملة الأسهم سلطة على طريقة إدارة الشركة، وأدائها. وهنا يمكن أن تتنوع الرؤى بين من يرى أن النتيجة زيادة رقابة على ومشاركة في أعمال الحكومة، وأخر يرى تقليص دور وسلطة الحكومة. ومن يرى الثاني يرى أنها أداة من أدوات العولمة ونفوذ الغرب، وبالأخص زعيمته أمريكا.
“الحكمانية” لم تكن الترجمة الوحيدة لعبارة قافرنانس، فقد ظهرت اجتهادات ترجمة أخرى مثل “إدارة الحكم” و”الإدارة المجتمعية” و”الحوكمة”.
ولعل ترجمة البنك الدولي هي الأنسب.
استفاد المترجمون في البنك الدولي من كتاب الماوردي “الأحكام السلطانية”، والذي ربط السلطة بالسلطان والسلطانية، كما استفادوا من المعجم العربي الأساسي للناطقين بالعربية ومتعلميهاالصادر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم والذي ورد فيه لفظ “حِكْمة” وتعني معرفة أفضل الأشياءِ بأفضل العلوم، أو معرفة الحقِّ لذاته، ومعرفة الخير لأجل العمل به، مثلما تعني العلم والتفقه حيث ورد في القرآن الكريم: “ولقد آتينا لُقمانَ الحِكمَة”.
وتعبير قافرنانس “الحكمانية” يعطي تميزا عن مصطلح حكومة Government والذي يعني الحكم وإدارته.
في إحدى الندوات الدولية قبل عشر سنوات تقريبا، قام عشرون أكاديمياً وممارساً بتتبع جذور المصطلح إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر، في انجلتزا، حيث جمعوا التعاريف من المصادرالعديدة لها، والتي أوضحت تطور واتساع معاني قافرنانس “الحِكمانية”، وخلصوا إلى :
“أن التغير في دور الحكومة وتغير البيئة التي على الحكومة أن تمارس دورها فيها قد تمخص عن جلب الحكمانية إلى الاستخدام من قبل العامة كعملية، حيث لم تعد كلمة حكومة كافية” (الحمكانية، من إصدار البنك الدولي، نقلا من كتاب كوركري Corkery عن الحكمانية، 1999).
وقد توسعت منظمات دولية في استخدام التعبير بشكل واسع، كآلية لإدامة التنمية، عبر التنمية الاقتصادية والسياسية والإدارية فيالقطاعات الحكومية والمجتمعية.
حشد برنامج الأممم المتحدة الانمائي عدداً من المتخصصين لمناقشة الحكمانية، وقد خلصوا إلى أنها تعني:
“ممارسة السلطات الاقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة شؤون المجتمع على كافة مستوياته”. كما عرفت بأنها “التقاليد، والمؤسسات والعمليات التي تقرر كيفية ممارسة السلطة، وكيفية سماع صوت المواطنين، وكيفية صنع القرارات في قضايا ذات اهتمام عام” (كتاب برنامج الامم المتحدة الانمائي الحكمانية لأجل تنمية بشرية مستدامة، 1997).
ووفقا لورقة صادرة من البنك الدولي عن “الحكمانية”، تصنف التعريفات التي تتناول معناها في الأدبيات المختلفة إلى ستة محاور:
المحور الأول ويدرس العلاقة بين آليات السوق والتدخل الحكومي.
المحور الثاني ويبحث الحِكمانية من خلال التركيز على سلوكمنظمات القطاع الخاص.
المحور الثالث ويعبر عن اتجاه الإدارة الحكومية الجديد والقائم علىإدخال قيم مثل المنافسة وقياس الأداء.
المحور الرابع وهو امتداد للمحور الثالث مضافا إليه الربط بين الجوانب السياسية والإدارية .
المحور الخامس ويعبر عن أن السياسات العامة ما هي إلا محصلة للتفاعلات الرسمية وغير الرسمية بين عدد من اللاعبين: الحكومة والقطاع الخاص والمجتمعات المدنية.
المحور السادس ويرى أن مفهوم الحِكمانية يرى في إدارة مجموعة من الشبكات المنظمة في عدد من الأجهزة الحكومية.
لماذا الحكمانية؟
التوسع في حجم المجتمعات وزيادة تعقيد شؤون الحياة والاقتصاد أدى إلى مزيد من حجم الحكومة، مقرونة بعزلة عن تفهم وجهات المواطنين في رسم السياسات، وتفهم حاجاتهم التي تهمهم أكثر من غيرها، ورافق زيادة الحجم والعزلة قصور واضح في أداء الإدارة الحكومية.
ورغم وجود تمثيل للأهالي في عدة مجالس إلا أن عملية التمثيل قاصرة من جهات كثيرة، وهي بالطبع لا ترقى إلى مستوى التمثيل للمواطن نفسه.
الاهتمام بالأمور العامة ليس حكرا على الحكومة، وهناك مؤسسات مدنية تطوعية وغير تطوعية ريحية وغير ربحية ينبغي أن تأخذ مزيدا من الدور في طرح السياسات العامة، والمساهمة في صياغتها وتنفيذها.
موضوع الحكمانية عريض، والاهتمام به يتسع يوما بعد يوم، ولعلي أكتب عن بعض قضاياه في أكثر من حلقة، وبالله التوفيق.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال