الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
محلل مالي واقتصادي
Economy_Affairs@
هناك مثل إنجليزي شهير في عالم المال والأعمال يقول: (Let numbers talk) أو (دع الأرقام تتكلم)، وهذه القاعدة من المفترض أن تكون حاضرة عند الكتابة أو الحديث في أي شأن استثماري أو اقتصادي. ولإنها قد غابت عمن يدافع عن الأسعار الحالية للعقار، ربما عمداً، مما أدى لكثرة النظريات (والتنظير)، والابتعاد عن الأسس العلمية، وعدم الاستناد على الأرقام والاحصائيات، كتبت هذا المقال ليتناول أحد أهم المواضيع على الساحة الاقتصادية، والتي تمس حياة كل مواطن، وهي أسعار العقار.
وقبل تناول هذه المؤشرات الإقتصادية، أود التنويه إلى أن نزول أسعار العقار إلى أسعار متدنية هي مسألة وقت ليست إلا، لا سيما في دولة مساحتها تعادل مساحات دول أوروبية مجتمعة. كما أنني أود التنويه أيضاً على أن رسوم الأراضي ليست هي الوحيدة التي ستفصل في هبوط أسعار العقار، فالمؤشرات كثيرة، والرسوم ليست إلا مؤشر واحد منها.
المؤشرات الإقتصادية للهبوط القوي لأسعار العقار:
1) ارتفاع معدل الفائدة الأمريكية: بحكم الترابط بين السياسة النقدية السعودية والسياسة النقدية في الولايات المتحدة لإرتباط الريال بالدولار (Pegged Currency) فإن أي رفع لمعدل الفائدة الأمريكي سينعكس مباشرة على معدل الفوائد لدى البنوك المحلية. والآن يشهد الدولار رفع تدريجي في معدلات الفائدة بدأ منذ ديسمبر 2015 بسبب نمو الاقتصاد الأمريكي، ومن المتوقع أن يرتفع أكثر خلال هذه السنة والسنوات القادمة وفقاً لتصريحات جانيت يلين رئيسة الفدرالي الأمريكي، وأعضاء آخرين. والقاعدة تقول، أن رفع معدل الفائدة يقلل حجم الإقراض لإنه سيرفع تكلفة التمويل على الشركات والأفراد مما يؤدي إلى الإحجام عن الاقتراض نسبياً (Money Supply and Demand).
2) التقشف العام بسبب انهيار أسعار النفط: لا يخفى على من يعرف تركيبة الاقتصاد لدينا أن هناك ترابط وثيق بين النمو الاقتصادي في السعودية وبين معدل انفاق الدولة، وهي ما أشارت له ماكنزي كأحد المخاطر المحدقة على الاقتصاد السعودي التي يجب تداركها، بسبب ترابط القطاع الخاص بانفاق الدولة. لذا، فإنه بسبب انخفاض الانفاق العام للدولة، فإن ذلك سيؤثر سلباً وبشكل مباشر في ربحية الشركات، مما سيؤدي إلى خفض مستوى الانشاءات أو الطلب على العقارات كجزء من الخطط التوسعية وافتتاح الفروع الجديدة، ناهيك عن ذلك أيضاً سيؤدي إلى توظيف أقل، وإنهاء لعقود الموظفين، مما سيؤثر هو الآخر على الإحجام عن الطلب على القروض العقارية (سلسلة اقتصادية مترابطة).
3) اقراض البنوك للحكومة: تأثير ذلك سيكون مباشراً على السيولة النقدية في الاقتصاد (مرة أخرى: Money Supply & Demand، وبالتالي فإن انخفاض السيولة “الكاش” سيساعد في رفع تكلفة التمويل على الشركات، مما سيساعد على إحجام الكثير سواءً من الشركات أو الأفراد عن الإقتراض (لا سيما وأن أسعار العقار هي في الأساس مرتفعة جداً).
4) التمدد العامودي وبناء الأبراج: نشاهد الآن تسارع في بناء الأبراج، ونرى مثلا في مدينة الرياض تسابقاً في تشييد الأبراج، على عكس الماضي عندما كان التمدد أفقياً. وهذا المؤشر له أثره المباشر في تقليل الطلب على الأراضي، سواءً على الشركات المستأجرة لمقراتها، أو فروعها، وبشكل أقل على مستوى الأفراد ممن سيسكن في شقق تلك الأبراج.
5) سيكولوجية الأسواق: وهي برأيي من أهم النقاط، حيث أن الوعي الشعبي ازداد مع انتشار وسائل التواصل الإجتماعي، وصار الكثير يتناقل المعلومات، وأصبح على دراية تامة بأن الأسعار الحالية هي أسعار مبالغ فيها، ولذا يفضل الأجار إلى تصحح أسعار العقار من مستوياتها الحالية إلى مستويات عادلة، وهو ما انعكس على ارتفاع الأجار حالياً بشكل نسبي. وهذه النقطة تلعب دوراً رئيسياً في الإحجام عن الطلب على العقار. مما سيؤدي إلى تجاوب العرض قسراً مع الطلب لتلبية احتياجات السوق مستقبلاً بعد الإحجام عن الشراء.
6) رسوم الأراضي: والرسوم عادةً تستخدمها الدول في سياساتها المالية الإقتصادية (Fiscal Policy) إما لزيادة دخل الدولة، أو لكبح التضخم لأسعار منتجات معينة (وربما كلاهما في آن واحد). ورسوم الأراضي لها أثرها المباشر في رفع تكلفة الانتظار لمن يتاجر في الأسعار، ويضطره إلى البيع بالأسعار الحالية. وكثرة البيع يرتفع معها العرض، وبالتالي تقل معها الأسعار وفقاً لأبسط القواعد الاقتصادية.
7) زيادة مؤسسة النقد للدفعة الأولى لـ 30%: وهنا تدخل مباشر من السياسة النقدية (Monetary Policy) في تقليل الطلب على العقار،وفي رأيي أنه كان إيماناً من المؤسسة بمخاطر ارتفاع أسعار العقار.فما هي نسبة من يملك 30% كدفعة أولى إذا ما أخذنا معدل الرواتب المتواضع للمواطنين والأسعار المتضخمة للعقار؟ (ملاحظة: تراجعمؤسسة النقد عن قرار الدفعة الأولى لتكون 15%، على أن تكون وزارة المالية هي الضامنة للـ 15% الأخرى هي فقط لفئة من المواطنين الذين ستشملهم المنتجات العقارية من وزارة الإسكان.)
8) فرصة الاستثمار “مستقبلاً” في سوق الأسهم: يعطي مجالات أكثر لهروب الأموال من العقار إلى الاستثمار في أسواق الأسهم، مما سيؤدي إلى كثرة البيع وبالتالي إلى زيادة المعروض مما سيزيد الضغط على الأسعار، لا سيما وأن العقاريون يعلمون، وإن كانوا لا يصرحون، بأن الأسعار الحالية قد تجاوزت حتى السقف الأعلى، وأنهم في مستويات بيع، ولا مزيد من الارتفاعات الذي يستوجب الانتظار.
9) الركود العقاري: والجواب لدى احصائيات وزارة العدل ومكاتب العقار. وهو بداية النهاية، حيث تبدأ دورة جديدة من الدوراتالاقتصادية يصاحبها هبوط قوي للأسعار بشكل تدريجي إلى تصل لأدنى مستوى، ثم تبدأ دورة أخرى تكون مصحوبة بالارتفاع مجدداً، ومن ثم تنمو إلى تصل للقمة، وهكذا.
نقطة خروج: إن من يراهن على العقار الآن، هو كمن كان يراهن على العقار في الولايات المتحدة قبل 2007. الفرق الوحيد أن سبب صعود الأسعار في الولايات المتحدة كان بسبب التسييل الكمي من الفدرالي الأمريكي والرهون المعدومة (Sub-prime Mortgages)، وفي السعودية بسبب الإحتكار. اختلفت الأسباب والنتيجة واحدة. فمن يغامر في شراء العقار الآن، هو كمن كان يغامر في شراء بعض الأسهم في عام 2006.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال