الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
abdulkhalig_ali@
abdu077@gmail.com
ترافيس كالانيك وغاريت كامب شابان أمريكيان واجها مشكلة عدم وقوف سيارات أجرة لهما في باريس ففكرا فـي إنشاء منصة تسهل طلب سيارة الأجرة بدل إنتظارها في الشارع ، فقاما في العام نفسه 2008 بمدينة سان فرنسسكو بكلفورنيا بتصميم المنصة وإطلاقها وإنشاء الشركة لتلك المنصة الرقمية لتأجير السيارات الخاصة ، التي أصبحت الأن أكبر شركة تأجير سيارات في العالم وهي لا تملك سيارة واحدة ، حيث تغطي أكثر من 460 مدينة في العالم .
الشركة تنمو بشكل سريع جدا بفكرتها القابلة لمزيد من النمو الذي إن إستمر بهذه الوتيرة فسوف يقضي على شركات التأجير وسائقي الأجرة حول العالم ، وهو ما بدأ يحدث فعلا في أوروبا وأمريكا الجنوبية ومصر وغيرها من الدول حيث تسبب تواجد تلك الشركة فيها في مظاهرات من قبل سائقي الأجرة في تلك الدول .
ذلك النمو السريع جذب للشركة مستثمرين من مختلف دول العالم ضخو فيها مليارات الدولارات ، وأخر أولئك المستثمرين صندوق الإستثمارات العامة السعودي الذي إستثمر في الشركة 3.5 مليار دولار ، وهو أضخم مبلغ يُستثمر فيها ، ليصل بذلك مجموع الإستثمارات في الشركة أكثر من 11 مليار دولار .
تعمل الشركة في أربع مناطق في المملكة ولديها 9 آلاف سائق 11٪ منهم فقط سعوديين . إشتراطات الشركة في نوعية السيارة ونظافتها قاسية تجعل الإستثمار فيها مكلفا ، ولو لم يكن العائد منها مجزيا لما كان كل هذه العدد من غير السعوديين يعملون فيها . حسب بعض من عملها فيها يستطيع الوصول لدخل 8 آلاف ريال في الشهر للمتفرغ ، وغير المتفرغ حسب إستطاعته .
بالتأكيد فرصة العمل مع الشركة جيدة جدا للمتفرغين أو من لديهم وقت فراغ كبير كطلبة الجامعات ، وأنصح الشاب الذي لديه سيارة ممن تنطبق عليها الشروط ولديه القدرة من وقت ورغبة أن يستغل ذلك بالعمل لديها أو لدى كريم الشركة الإمارتية المنافسة لها . ففي ذلك فوائد كبير للشاب .
ليس ذلك موضوعي ، موضوعي كيف تتحول أفكار بسيطة جدا جدا إلى شركات عملاقة تجذب إليها أهم الإستثمارات العالمية ؟ الأفكار البسيطة الخلاقة حول العالم كثيرة ، لكن نجاحها في أمريكا مذهل جدا . لا أعتقد أن حجم الأموال المستثمرة في تلك المشاريع هو السبب في نجاحها بذلك القدر ، فمعظم تلك الأفكار تبدأ بسيطة جدا وربما بدون تكاليف حقيقية وعلى أيدي طلاب جامعيين أو عاطلين عن العمل . الأمر بكل بساطة متعلق بقوانين الإستثمار في ذلك البلد التي تحفز الأفكار المجنونة بقدر جنونها حتى تغزو العالم. والأمثلة أكثر من حصرها هنا .
دعونا نتخيل قليلا لو أن صاحبا التطبيق سعوديان وأرادا تنفيذ الفكرة في السوق السعودية وبنفس إشتراطات شركة أوبر ، هل كانا يستطيعان تنفيذها فعلا ؟ فضلا عن نجاح الفكرة من عدمها ، أم أنهما سيحاربان أمبراطورية من البيروقراطية النفعية التي تجعل من أسهل إجراء معركة لا ينْجُ منها إلا من أوتي مالا أو كان ذا واسطة قوية .
الغريب أن تلك الأمبراطورية المرعبة التي أخرجت كثيرا من الشباب السعودي من السوق ، وقتلت كثير من مشاريع ريادة الأعمال في مهدها وحتى المشاريع البسيطة التقليدية ، لم تستطع الوقوف في وجه (أوبر) ولا (كريم) اللذان يعملان في سوق النقل السعودية رغم مخالفتهما لإشتراطاته الصرامة التي تُفرض على كل من يعمل فيه . وأهم تلك الإشتراطات رخصة القيادة العمومية لمن يعمل في قيادة سيارات النقل بمختلف أنواعها والتي لا تنطبق على سيارات أوبر وكريم في السعودية .
دعونا نعكس التخيل أعلاه ، ماذا لو أن أفكار الشباب السعودي الرائعة وجدت من التسهيلات في العمل ما وجدته أوبر وأقل التسهيلات هو غض الطرف عنها حتى ثبّتت أقدامها في الأرض وكونت قاعدة كبيرة من العملاء سواء من الزبائن أو السائقين ، فضلا عن حصولها على إستثمارات ماليه بحجم ما حصلت عليه أوبر ، هل نستطيع تخيل ما الذي سيحدث من نجاحات ليس لتلك الفكرة فقط ، بل ما الذي سيحدث في خلق الأفكار ؟ وما الذي سيحدث للإقتصاد السعودي على كافة المستويات .
لنكن صادقين مع أنفسنا أن إقتصادنا قاتل للأفكار الجديدة المنبعثة من داخله ، وتقف الأنظمة ومطبقي الأنظمة في وجه كل فكرة جديدة وخلاقة وإن سُمح لفكرة ما بالظهور ففي المعارض والملتقيات الإحتفالية للتصوير معها فقط ، لكن لن يسمح لها بالتواجد على الأرض . لكننا وبكل أسف نتقبل وبسهولة تلك الأفكار ونتعامل معها إذا كانت قادمة من الخارج ونسهل لها الإستثمار ونساعدها على النجاح .
الإقتصاد القوي هو ذلك الإقتصاد الذي يستطيع خلق الفرص من الأفكار الجديدة بإستمرار ، وليس ذلك الذي يبحث عن الفرص الجديدة خارجه . نحن بحاجة ملحة لنظام إستثماري يحفز الأفكار الجامحة والخلاقة على الظهور ويشجعها على البدء والنمو ذلك إن أردنا لرؤية 2030 أن تحقق نجاحا حقيقيا. أما أن بقيت أنظمتنا كما هي ، والأخطر إن بقي فكر المنفذين للإنظمة كما هم الأن فستظل إستثماراتنا تبحث لها عن ملاجئ في الخارج ، ويظل شبابنا يستجدي الوظائف .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال