الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يقود التوافر الكبير للسلع والمواد الشائعة المتاحة للجميع، كالهواء، ومصادر المياه، والغطاء النباتي، والتربة إلى عدم التفكير في ندرتها والإساءة إلى جودتها وميل الأغلبية الساحقة من الناس إلى التهاون أو التعدي عليها. ونتيجة لذلك أحدثت الأنشطة الإنتاجية والاستهلاكية غير المنضبطة آثارا خارجية سلبية على السلع العامة، من أبرزها انتشار ظاهرة التلوث. ولم تساعد الليبرالية الاقتصادية أو ترك الأسواق لتعمل دون قيود في كبح هذه الظاهرة. وقد أثبتت زيادة مستويات التلوث ووصوله إلى معدلات خطيرة في كثير من الأماكن على مستوى العالم فشل الأسواق في التصدي لهذه الظاهرة كما فشلت في التصدي للمعضلات الاقتصادية الرئيسة مثل البطالة والتضخم والفقر وسوء توزيع الدخل والثروة. وجاء فشل الأسواق بسبب اعتبار المنتجين والمستهلكين لتكاليفهم الخاصة فقط وعدم اكتراثهم بالآثار الجانبية السيئة والتكاليف الإجمالية للإنتاج والاستهلاك على المجتمع. ولهذا لا يمكن التصدي لمعضلة التلوث والإضرار بالبيئة إلا بتدخل الدولة الذي يأتي عادة بعد تفاقم الوضع البيئي وإحداثه أضرارا قوية على الصحة العامة للسكان وعلى الحياة الحيوانية والنباتية وتأثيره على الموارد الطبيعية. وتتغاضى كثير من الحكومات عن اتخاذ تدابير فعالة ضد التلوث خصوصا في بداية مراحل التنمية أو بسبب تأثير ملاك الأعمال على صناعة القرار. ومع مرور الوقت وتفاقم الآثار السلبية للتلوث وازدياد ضغوط الناس والمجتمع المدني تضطر الحكومات لاتخاذ السياسات والإجراءات للحد من آثار التلوث التي من أبرزها:
أولا: سن الأنظمة والتشريعات والقيود التي تهدف لخفض آثار التلوث السيئة على البيئة والمجتمع لأدنى مستوى ممكن. وتلزم التشريعات منتجي السلع والخدمات ومستهلكيها باستخدام تقنيات نظيفة في العمليات الإنتاجية والاستهلاكية حتى لو كانت أكثر كلفة، وهذا يجبر الدول على وضع أجهزة وإدارات ومحاكم لمراقبة الملوثين ومستويات التلوث وتطبيق الأنظمة ومعاقبة المخالفين. ومن أبرز السياسات التي تبنتها المملكة للحفاظ على البيئة في السنوات الأخيرة، قرار استخدام البنزين الخالي من الرصاص. وقد حد هذا القرار من انبعاثات الرصاص في الهواء وألغى إلى حد كبير الآثار السلبية لهذه المادة على الصحة العامة خصوصا صحة الأطفال. ويُرجى أن يتبع هذا القرار قرارات أخرى للحد من التلوث كاستخدام الديزل منخفض الكبريت، وفرض مزيد من القيود على انبعاثات الاحتراق الداخلي للمركبات، وانبعاثات المصانع، ونقل عديد منها إلى أماكن بعيدة عن التركزات السكانية.
ثانيا: يمكن وضع رخص للتلوث قابلة للتداول حيث يستفيد منخفضو التلوث من أنشطة حمايتهم للبيئة، بينما يدفع الملوثون للبيئة نظير إطلاقهم للتلوث. وبهذا تنشأ أسواق لتبادل رخص التلوث وتبدأ الأسواق بالعمل على خفض التلوث. ويمكن خفض مستويات التلوث المطلوبة مع مرور الزمن وبمعدلات يمكن للصناعات والملوثين تحمل تكاليفها.
ثالثا: فرض ضرائب ورسوم على التلوث تتصاعد مع كميات التلوث وخطورته. ويرى بعض الاقتصاديين إمكانية استبدال الحكومات الضرائب المفروضة على الدخل والمبيعات بضرائب مفروضة على التلوث، وبهذا يصبح نظام الضريبة العامة للدولة صديقا للبيئة. وقد تمثل هذه فرصة لدول المجلس لجمع بعض الإيرادات من الملوثين وإنفاقها على تنظيف البيئة وعلاج آثار التلوث.
رابعا: توفير الدعم والإعانات للتقنيات والمعدات المستخدمة في توليد الطاقة النظيفة وفي زيادة كفاءة استهلاك الطاقة، وسن التشريعات الداعمة لتشجيع استخدام الطاقة النظيفة بما في ذلك إلزام شركات الطاقة بشراء فوائض الطاقة النظيفة التي يولدها بعض مستهلكي الطاقة.
خامسا: تحرير أسعار المواد الباعثة للتلوث، حيث قاد دعم كثير من أنواع الوقود في دول الخليج إلى زيادة استهلاك منتجات الوقود وبمعدلات مرتفعة في المملكة ودول الخليج. ولا يدرك كثير من الناس حقيقة مفاقمة دعم أسعار الطاقة لمعضلة التلوث وذلك عن طريق تشجيع الإفراط في استخدامها، والحد من استخدام مصادر الطاقة النظيفة بسبب خفضه لجدوى استخدام الطاقة النظيفة. ويكره معظم السكان سياسات تحرير أسعار منتجات الطاقة الملوثة للبيئة، ولهذا لا بد من مناقشة التأثيرات البيئية الخطيرة الناتجة عن تسارع استهلاك الطاقة الملوثة للبيئة وتعويض المستهلكين عن الدخول المفقودة نتيجة لتصحيح الأسعار، حتى تساعد في تقبل المجتمع لفكرة تحرير أسعار الطاقة.
سادسا: تغيير مزيج الطاقة الأحفورية المستخدمة، حيث يمكن خفض معدلات التلوث عن طريق استبدال الفحم الحجري والنفط ومنتجاته بالغاز الطبيعي.
سابعا: تطوير وسائل النقل العام داخل المدن وبينها سيساعد في خفض استخدام وسائل النقل الخاصة ويخفف من الازدحام المروري ما سيخفض من معدلات استهلاك الوقود والتلوث الناتج.
ثامنا: يمكن استخدام مبدأ حقوق الملكية في الموارد الطبيعية النظيفة، وهو ما يعني حق الناس المقيمين قرب الملوثين بالحصول على الهواء النظيف، وهذا يجبر الملوثين على دفع تعويضات لهؤلاء البشر. ويمكن في حالات شاذة أن يدفع الناس للملوثين للتخلي عن تلويث بيئتهم، ولكن الأولى تأكيد حق الناس في الحصول على الهواء النظيف والماء النظيف والبيئة النظيفة.
تاسعا: تشجيع الصناعات والقطاعات الاقتصادية الصديقة للبيئة في عمليات التنمية الاقتصادية، وهذا يتطلب التركيز بشكل أكبر على دعم قطاعات الخدمات وخفض الدعم والإعفاءات للصناعات الملوثة للبيئة.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال