الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الحَمدُلِله الذي بلغنا وإياكم شهر الخيرات، شهر رمضان، شهر المغفرة والعتق من النار، ونسأل الله أن يهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والعون على الطاعات ويتوج أعمالنا بالقبول والجبر والعتق من النار، وأن يُعيده على الأمة الإسلامية أعواماً عديدة بعزة وتمكين للإسلام والمسلمين. إن من أكبر المشاكل المؤرقة للمجتمع السعودي والحكومة وبمتابعة وإهتمام حثيث من القيادة -وفقها الله وسددها -مشكلة الإسكان، فعلى الرغم من وجود الأراضي الشاسعة للمملكة إلا أنها مُشكل طال أمده ولم تتواكب الحلول لمسايرة سرعة النمو السكاني، خصوصاً الأراضي داخل النطاقات العمرانية للمدن الكبرى، كما أن النمو السكاني السريع رتب تعدي عن حدود النطاقات العمرانية ومن ثم رتب هدر للموارد من خدمات وزيادة تكاليف وفقدان للأوقات والطاقات البشرية والرسمية، فمن الحلول التي وضعت لمعاجلة مشكلة الإسكان تطوير أنظمة البناء فحُصِد منها فوائد عدة أمنية وإجتماعية ساهمت بالإستغلال الأمثل للأراضي وحدت نوعاً ما من التوسع الأفقي وحدت يسيراً من هدر الثروات على مختلف أنماطها، ومن الحلول الأخيرة للحث على إستغلال الأراضي البيضاء المعطلة داخل الحدود العمرانية وإدخالها بالتنمية، أن أُصدر نظام رسوم الأراضي البيضاء، والهادف لتقرير رسوم سنوية على الأراضي الغير مستغلة. فصدر المرسوم الملكي رقم (م/4) وتاريخ 12/02/1437هـ نظام رسوم الأراضي البيضاء، ونُشر بالجريدة الرسمية (جريدة أم القرى) بالعدد رقم (4596) وتاريخ 29/02/1437هـ الموافق 11/12/2015م، ووفقاً للمادة الــ(15) من النظام يعمل به بعد (180) يوماً من نشره بالجريدة الرسمية، وبتاريخ 02/09/1437هـ الموافق 07/06/2016م يتحقق تمام الـ(180) يوماً على نشره، ومن ثم يكون يوم 03/09/1437هـ الموافق 08/06/2016م تاريخ نفاذ النظام. ويتكون النظام من عدد (15) مادة في غالبها قواعد إسناد وإجرائية، وأهم ما يتضمنه النظام ما جاء في مادته الثالثة والتي قررت فرض رسم سنوي قدره (2,50%) من قيمة الأرض على ملاكها أكان شخص طبيعي (الإنسان) أو من ذوي الصفة الإعتبارية الخاصة (كالشركات)، وحددت بهذه المادة معايير تقدير قيمة الأرض كحد أدنى، وفوض اللائحة التنفيذية للنظام العمل على هذه المعايير: (01) موقع الأرض. (02) استخدام الأرض سكني/تجاري. (03) نظام البناء. (04) الخدمات العامة وتوفرها للأرض (05) المرافق العامة، كما تضمن تفويض للائحة لتحديد الجهة التي تتولى تطبيق المعايير وفرض الرسم السنوي. كما تضمن النظام في مادته الـ(07) تشكيل لجنة – شبه قضائية -بقرار من وزير الإسكان تتولى الفصل في الإعتراضات ومخالفات نظام رسوم الأراضي ويتظلم من قراراتها أمام المحكمة الإدارية. كما تضمن في مادته الــ(13) على تفويض سبع جهات رسمية (العدل، المالية، الشئون البلدية والقروية، الإقتصاد والتخطيط، والتجارة والصناعة) بإعداد مشروع لائحة تنفيذية للنظام وتُرفع لمجلس الوزراء لإقرارها خلال (180) يوماً من تاريخ صدور النظام أي من تاريخ 12/02/1437هـ، والتي لم تـُصدر حتى تاريخه. ويلاحظ على النظام أنه فرض الرسم السنوي على الجهات الإعتبارية الخاصة المالكة للأراضي الغير مستغلة وفي ذلك برأينا إزدواجية، فالجهات الإعتبارية الخاصة كالشركات عندما تُقيد الممتلكات بإسمها، فتعد من ضمن أصولها وأموالها الثابتة وتحتسب في ميزانها المالي السنوي ويدفع عنها الزكاة وتسلم لهيئة الزكاة والدخل كونها تعد من عروض التجارة خصوصاً إن كانت الشركة عقارية، فضلاً عن شمول إيراداتها (أي الشركات) للزكاة، وكل ذلك وفق أنظمة الزكاة والضرائب وكذلك الأصول المحاسبية لإعداد القوائم المالية، ومن ثم تدفع عن الأرض إجمالي ما نسبته (5%) من قيمة الأرض. وعلى النظام كثير من الملاحظات وأهمها: أن مصطلح الرسوم يطلق على مقابل خدمة تقدم من الدولة للمواطن، فما هي الخدمة التي تقدم لمالك الأرض الغير مستغلة ؟؟!!، فالرسوم كرسم إصدار رخصة قيادة أو القيد بالسجل التجاري فهناك مقابل واضح للرسم المدفوع أو المفروض، ولا تتوفر الخدمة المقابلة للرسم المفروض عن الأرض. أما الضريبة فهي مقابل تفرضه الدولة ويدفع لها ولا يشترط له مقابل للمواطن المُلزم بالدفع. ونرى بأنه من الخطأ تسمية النظام برسوم الأراضي والواجب الأصوب أن يسمى بنظام ضرائب الأراضي البيضاء. كما أن الرسم السنوي لا يتناسب وفرضه بهذه الطريقة لظاهره أنه عقوبة على عدم إستغلال الأرض وإعمارها، ولا يحقق الغاية المرجوة بتوفير الأراضي وإستغلالها أو التأثير على أسعارها، وبوضعه الراهن يمكن التحايل عليه بأدنى طريقة وبما يتفق مع النظام وبالتالي تعطل الهدف من النظام، لذلك وجب أن يُعد مشروع متكامل للأراضي البيضاء لضمان إعمارها ليكون رؤيا تكاملية مشتركة بين ملاك الأراضي والمطورين ووزارة الإسكان وجهات التمويل. أما عن اللائحة فأطلعت على مشروعها والمكون من ثمانية عشر مادة، وتضمنت مصطلحات جديدة كمصطلح المكلف والتنمية العمرانية وتعريفات جديدة ويشوبها عموماً ضعف في الصياغة النظامية، فالمكلف مصطلح شرعي يراد به الشخص المخاطب بأحكام الشريعة الملزم بتنفيذها، كما عرف بنظام الضريبة بأن المكلف هو الشخص الخاضع للضريبة بمقتضى هذا النظام، ومن الأفضل الإقتصار على لفظ مالك الأرض، ويُعزى برأينا الخلل في اللائحة لتعدد الجهات المشاركة بالصياغة والتأخر بمباشرة إعدادها وعدم وضوح الرؤيا لفريق إعداد اللائحة بشأن النظام. ولاشك بأنه لا يمكن تطبيق نظام بدون لائحة خصوصاً هذا النظام الذي أحال للائحة لتقرير المسائل الموضوعية لتطبيقه، وأتمنى أن يعاد النظر بالنظام بتصحيح التسمية لضرائب الأراضي البيضاء وليصاغ بشكل قانوني سليم أو إلغائه وإيجاد بدائل مناسبة لتحقيق التنمية العمرانية لتوفير المساكن وتحجيم المُشكل. إن وفقت وأصبت فمن الله وفضله والحَمدُلِله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله العلي العظيم لوالديّ ولي ونتوب إليه.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال