الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
abdulkhalig_ali@
abdu077@gmail.com
بعد صدور قرار الأمم المتحدة عام ١٩٤٨ بتقسيم فلسطين إلى دولتين ومنطقة دولية خرج العرب في مظاهرات حاشدة في معظم العواصم العربية رافضة للقرار وكان شعار المظاهرات (لا للتقسيم … لا للحل السليم) لأن المروجون للقرار كانو يقولون أن التقسيم هو الحل السليم . نجح العرب في إفشال القرار ولم ينجحوا في الحصول على شيء حتى الأن ، بل إن مطالبهم الأن أقل بكثير جدا مما أعطاهم ذلك القرار الشهير .
بعض كتابنا الاقتصاديين يطبقون قاعدة (لا للتقسيم ولا للحل السليم) مع كل قرار يصدر بهدف أصلاح قطاع اقتصادي ما ، وذلك بإحلال العمالة السعودية محل العمالة غير السعودية . بل إن بعضهم يروج لفكرة أن عمل السعوديين في تلك المهن البسيطة والأعمال الحرة الصغيرة سيعطل التنمية ، ويوقف تحول المملكة لدولة صناعية تستطيع صناعة الطائرات والسيارات والقاطرات وغيرها من الصناعات الكبيرة . وقد حاولت فهم فكرة الربط بين هذين العنصرين فلم أستطع . وكأن الشاب السعودي إن بقي عاطلا سوف يصدر قرارا بإنشاء مصنع سيارات لتوظيفه . إلا كان القصد أن العمل على توظيف السعوديين في تلك المهن سوف يؤدي إلى هدر المال والجهد والوقت وأن كل ذلك يجب أن يتجه للمجالات الصناعية الكبرى .
وهنا أسأل هل وزارة العمل مسؤولة عن الصناعة وتطويرها ؟؟ ما تقوم به هو من صلب عملها . ثم مهما كان حجم التكلفة والجهد المبذول في ذلك الإتجاه فإنه يستحقه . دعونا نحلل الموضوع لنعرف إذا كان منع التوطين في المهن الصغيرة حل سليم أم لا ، لأن إستمرار الكتابة ضد القرارات يعني تشويهها وجعل الشباب ينفر من تطبيقها . فهل ذلك لمصلحة الوطن والمواطن فعلا ، أم أن ذلك الهجوم مبالغ فيه والتبريرات غير منطقية .
حتى لا أطيل سأذكر نقاط سريعة جدا تلخص الفكرة التي أود إيصالها ، أولا كل مهنة وكل عمل مهم وضروري ويحتاجه الوطن يجب أن نحرص أن يشغلها سعودي حتى مهنة عامل النظافة ، وتحقير المهن كان ولازال كارثتنا في الإحتلال الذي نعيشه اليوم فلم يعد السعودي يستطيع أن يشرب كأس ماء دون مساعدة من عامل أجنبي ، بل لم يعد الشاب السعودي الراغب في العمل يجد له موطـئ قدم في سوق محتل بالكامل وبجميع قطاعاته من العمالة الوافدة .
ثانيا فكرة أن نبدأ التوطين من المهن العليا ذات المهارات العالية والدخول العالية فكرة غير منطقية ، وليس البدء كذلك من المهن البسيطة التي لا تطلب مهارات عالية ودخولها أقل أمرا صائبا . المسألة ليس من أين نبدأ بل كيف ننجح إذا بدأنا في مجال معين ؟ ثم إن بدأنا من المهن العليا كم عدد طالبي العمل الذين يمكن توظيفهم في تلك المهن التي تتطلب تخصصات علمية معينة ومهارات عملية معينة وخبرة عملية ؟ وماذا عن أولئك الذين ليس لديهم تلك المعارف والمهارت والخبرات وهم الغالبية هل نعيد تحوير معارفهم ومهاراتهم وخبراتهم لتناسب المهن العليا التي تليق بالسعودي . كما أن أكبر المصانع في العالم تحتاج من العمالة البسيطة أكبر بكثير مما تحتاج من العمالة المتخصصة ، ففي مصانع فلكسواجن الألمانية يعمل بعض الشباب السعوديين المبتعثين في مهنة تربيط الصواميل التي لا تحتاج مهارات عالية وبراتب معقول .
ثالثا ماذا عن الشباب الباحثين عن عمل ولهم إلتزاماتهم الخاصة والعائلية هل نجعلهم ينتظرون حتى يتم إتخاذ قرار إنشاء مصانع عملاقة تناسب كرامتهم ، وإنتظار دراسة المشروع ثم والبدء في التنفيذ وأخيرا الإعلان عن خمسة آلاف وظيفة ليتقدم لها خمسة ملايين شاب . يعني لو أتخذ قرار إنشاء المصانع الأن كم سينتظر الشاب السعودي ليحصل على الوظيفة فيه مع ضمانه له .
وتلك الوظائف التي تروج لها الحكومة وغضب لها كُتابنا الكرام بحجة تعطيل مسيرتنا نحو الدولة الصناعية وأنها لا تليق بكرامة وسمعة ومكانة الشاب السعودي ، كم عدد الوظائف التي ستوفرها؟ بفرض أن الحكومة استطاعت التوطين %100 خمسة آلاف وظيفة أو عشرة آلاف لنفرض أنها بلغت خمسين ألف وظيفة ، كم حجم ذلك العدد في عدد العاطلين وكم هو في عدد الزاحفين لسوق العمل؟ نحن بحاجة لعشرة أضعاف تلك الأعداد لتستوعب العاطلين الحاليين.
بإختصار شديد جدا الإصلاح ليس إنتقائيا والقطاع الاقتصادي الذي تتهيأ الظروف لإصلاحه يجب البدء بإصلاحه ، بعيدا عن مسألة هذا طبقة عالية أو منخفضة . نحن إن أردنا أن ننشئ مصنعا للطائرات في الرياض يجب أن نصلح الصناعية في أم الحمام بحيث تكون جاذبة لعمل السعودي فيها ولا يجد الشاب السعودي غضاضة من العمل هناك ، بل يجب أن يفخر أن لديه ورشته التي يشغّلها بنفسه ، وقتها سوف نستطيع إنشاء مصنع طائرات وتشغيله ، وإلا فإننا سوف نستورد المصنع بعمّاله كما فعلنا ولازلنا نفعل حتى الأن ، والسبب ثقافة عدم تقدير العمل والمهن وتصنيفها هذا يليق بنا وذاك لا يليق .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال