الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
منذ اليوم الأول لتولي الملك سلمان مقاليد الحكم في السعودية، تبين أن هناك كثيرا من التحولات القادمة على الساحة الاقتصادية في السعودية، لقد بدأت هذه التحولات مع إنشاء مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وتولي الأمير محمد بن سلمان رئاسة هذا المجلس، كان هذا المجلس بمنزلة ورشة عمل رئيسة للحراك الذي تلا ذلك، لعل أبرز سمات هذا المجلس المهم أنه قلص كثيرا من الإجراءات الطويلة لحصول الجهات التنفيذية على موافقة الجهات التشريعية، فالمجلس كان يضم الجميع تحت رايته، على أنه حافظ وبشكل مذهل على الفصل بين الوظائف. ولقد كانت الأسئلة تدور دائما حول دور المجلس فعليا، والخوف كان موجودا في أن يقع المجلس في الدائرة البيروقراطية نفسها التي وقعت فيها المجالس السابقة التي تم إلغاؤها، لكن مع الأيام اتضح أن لهذا المجلس رؤية جديدة فعلا، وأن إنشاؤه ودوره سيكون جديدا على الإدارة السعودية تماما.
لقد أثبتت الأيام أن المهمة الرئيسة للمجلس تسمو على مجرد كونه لجنة لدراسة الموضوعات قبل إقرارها من مجلس الوزراء أو من الملك، بل كانت مهمته رسم السياسة الاقتصادية السعودية ومشروعات التنمية في المملكة ككل، والعمل مع الوزارات مباشرة لضمان التنفيذ الأمثل لهذه السياسات ومشاريعها. لهذا انهمك الجميع وطوال عدة أشهر في بناء رؤية جديدة للمملكة تم إقرارها بعد ذلك تحت مسمى ملهم “رؤية المملكة 2030″، ثم تم القيام بكثير من العمل حول الإجراءات التنفيذية لتحقيق هذه الرؤية، فتم إقرار حوكمة الرؤية، ثم برنامج التحول الوطني 2020 كأحد أبرز مشاريع وبرامج رؤية المملكة 2030. وهكذا انتقل الحديث وبسرعة عن دور مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية إلى أسئلة حول تحقيق هذه الأهداف الضخمة والمشاريع الهائلة وفي الوقت القصير المحدد لها.
للحقيقة فقد وجد البعض في نفسه قلقا من تحقق هذه الأهداف الكبرى، والسبب في ذلك أن لدينا اقتصادا مركبا ومليئا بالتعقيدات، لعل أبرزها تعقيد العلاقة بين الاقتصاد نفسه والحكومة، فالدولة – رعاها الله – تقوم بإنتاج النفط الخام، بأقل تكلفة ممكنة، ثم تبيعه وتأخذ إيراداته تحفز بها الاقتصاد وتحافظ على نموه، وهذا يتم من خلال صرف رواتب على الموظفين في الدولة، أو من خلال عقود ضخمة للقطاع الخاص الذي يقوم بتشغيل فائض العمالة ويدفع أجورهم، وهكذا سيستمر العمل إذا لم تقم الدولة بتحرير الاقتصاد بحيث ليس للحكومة علاقة مباشرة في نموه، وإنما هي تعتمد على هذا النمو في تمويل الحكومة. وهذا يتطلب تحرير القطاع الخاص وعدم اعتماده على النفط، وإذا كنا نريد رفع مشاركة القطاع الخاص خارج دائرة النفط، فلا بد من إصلاح التنافسية داخل السوق وجذب الشركات العالمية، وهذا تحد كبير؛ لأن الذي يشجع الشركات العالمية على الانتقال بمصانعها ومواجهة التحديات في ذلك هو حلم تحقيق نمو متواصل في الأرباح وأعمال الشركة، وهذا لا يمكن أن يتحقق لنا في ظل المنافسة العالمية إلا من خلال اكتشاف الاقتصاد لنفسه من جديد، واكتشاف ميزات تنافسية، وتحقق شرط جذب الاستثمارات. لهذا كله كنت أقول إن هدف تحفيز الاستثمارات الأجنبية في الاقتصاد السعودي كان من أصعب المهمات التي رسمتها رؤية المملكة 2030، وهذا يحتاج إلى عمل حقيقي وليس مجرد إعلانات تسويقية أو كتب سياحية ترويجية.
هنا أقول إن البناء المحكم للرؤية لا يتضح إلا بعد أن يتم تطبيقها وتحديدها على أرض الواقع، لقد وضعت رؤية المملكة 2030، ثلاثة محاور رئيسة لها، وهي وطن طموح، واقتصاد مزدهر، وحكومة فاعلة، وبدراسة تفاصيل هذه المحاور نجدها تترابط بشكل متقن مع هدف جذب الاستثمارات الأجنبية، فإعادة اكتشاف الاقتصاد السعودي وتسويقه بشكل جيد هو المحك الحقيقي في أن تجد الشركات العالمية فرصا جديدة اقتصادية عالمية في المملكة بخلاف النفط أو عقود الحكومة تمكنها من النمو والاستدامة.
كل هذا يشير إلى أهمية الزيارة التاريخية التي قام بها ولي ولي العهد إلى الولايات المتحدة، التي تركزت أساسا على شرح الرؤية وتفاصيلها والتغيرات التي سنقدم عليها، وما في ذلك من فرص للجميع، ولم يكتف الأمير الشاب بأن يتم ذلك من خلال الوفد المرافق له، بل لقد نقلت لنا وكالات الأنباء صور الأمير وهو يناقش مع الرئيس الأمريكي وكبار موظفي الحكومة الأمريكية، وأيضا نقاشاته مع كبريات الشركات الأمريكية بدءا من واشنطن إلى شركات وول ستريت في نيويورك ثم إلى شركات التقنية في كاليفورنيا، إلى الشركات الحديثة في تقنية المعلومات، حتى بُثت صور للأمير مع الرؤساء التنفيذيين لعدد من الشركات. وقد أثمر كل هذا عن موافقة خمس شركات أمريكية عملاقة بدخول السوق السعودية، وفي غضون سبعة أيام فقط من بدء الزيارة.
مثل هذا النجاح وفي هذا الوقت القصير لا يمكن أن يحدث بمحض الصدفة، فوضوح الرؤية ودقة الإجراءات في بنائها والتعهدات الحكومية بالمضي قدما في ذلك، ثم طريقة التسويق لها وشرحها ووجود ولي ولي العهد على رأس الفريق هو الذي منح الثقة في العمل، وجعل الشركات الأمريكية العملاقة تتسابق لنيل فرصة اللقاء مع الأمير ووفده، وأخذ الموافقة على دخول السوق السعودية. لقد منحتنا ثقة الأمير محمد بن سلمان في نفسه وفي أبناء وطنه الكثير، وأصبحنا نعيش الحلم واقعا وفي فترة قصيرة، نعم لا يزال أمامنا كثير من العمل والتحدي، لكن من يرى مثابرة الأمير يدرك أنه لم يهدأ حتى تتحقق الطموحات التي رسمتها رؤية المملكة 2030 وينعم هذا الوطن بما يستحقه فعلا.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال