الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
Ameerah_eco@yahoo.com
يبدو أن الضجيج الأوروبي اعتاد أن يتأهب في رمضان ، فلم يمر عام على المسرحية اليونانية وقضية خروج اليونان من منطقة اليورو إلا واندلعت رغبة بريطانيا في مغادرة الاتحاد. والحقيقة أن هذه ليست المرة الأولى التي تبدي فيها بريطانيا رغبتها في الإنسحاب ولكن يبدو أن البريطانيين يؤمنون كثيرا بالمثل الإنجليزي Late is better than never .
حدد الناخبون البريطانيون مصيرهم في استفتاء 23 يونيو ،فبينما كان يرى المؤيدون للبقاء أن هناك تكاليف ستدفعها بريطانيا في حال قررت الانسحاب يرى الحزب المعارض أن تكاليف العضوية هي من يجب التخلص منها.
طوال السنوات الماضية أضفت عضوية بريطانيا للإتحادالأوروبي مكاسب اقتصادية متعددة. وتلويح بريطانيا اليوم بالانسحاب يعني مغادرتها لأكبر تكتل عرفه التاريخ-بإرادتها – والذي يمثل 23% من الناتج المحلي العالمي (أي ما يقارب ربع النشاط الاقتصادي في العالم) ولاشك أن انسحابها سيحدث صدمات اقتصادية و سيخلق مخاطر مالية وكلية للجانب الحقيقي من الإقتصاد.
يعتبر الإتحاد الأوروبي أكبر قوة تجارية بالعالم ولديه ما يزيد عن 30 اتفاقية تجارية كما أن صادرات المملكة المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي تشكل ما يقرب من 15٪ من اجمالي الناتج المحلي.وهذا مايؤكد حجم الضرر على مصالحها التجارية .
لقد ساهم تواجد بريطانيا داخل التكتل بنمو التجارة بمعدل ملحوظ ؛نتيجة انخفاض العوائق الجمركية أمام السلع والخدمات وغيرها من الحواجز غير الجمركية مما ساعد في زيادة التجارة البينية و حركة التجارة مع دول خارج الإتحاد الأوروبي .
إن تأثير معدل التبادل التجاري على الاقتصاد البريطاني يتعدى مسألة توفير سلع وخدمات للجانبين أو مرور هذه البضائع بطريقة سلسة بين دول الاتحاد إلى ما هو أبعد؛ فهناك انعكاسات ايجابية استفادت منها بريطانيا على مستوى الدخل والتوظيف و الإنتاجية الكلية والتي أخذت في التحسن منذ الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي .
برهنت عدد من الدراسات إلى أن الإنفتاح التجاري الذي حققته المملكة المتحدة بعد انضمامها للتكتل الأوربي رفع من حجم الإنتاجية الكلية وإلى جانب ذلك ساهم هذا النمو التجاري في تحسين رفاهية البريطانيين أنفسهم ،فهم يتمتعون بتعدد الخيارات أمامهم للسلع والخدمات وهذا عزز من قدرتهم الاستهلاكية بالجودة أو النوعية و التي يرغبون بها.
بريطانيا اليوم تعول كثيرا على امكانية تكوين مناطق تجارة حرة ثنائية أو اقليمية ، وفي الحقيقة أنه لا يوجد ما يؤكد نجاح تلك المفاوضات، كما أن القدرة والإمكانية التفاوضية للاتحاد الاوربي أقوى بكثير من تفاوض بريطانيا منفصلة.
أما على صعيد الاستثمارات ،فقد ساعد انضمام المملكة المتحدة إلى الاتحاد الاوروبي الاستثمارات الوطنية نتيجة قوة التصدير فضلا عن زيادة تدفقات الاستثمارات الأجنبية، فبريطانيا هي من أكثر دول الاتحاد حظاً في جلب الاستثمارات الأجنبية ،ولطالما فضلت الشركات الأجنبية اتخاذ المملكة المتحدة مقرا رئيسا لها كمدخل للولوج إلى أسواق دول الاتحاد الأوروبي ،وأحد تبعات مغادرة الاتحاد أن هذه الشركات ستعيد النظر في مواقعها لأن وجودها في بريطانيا سيترتب عليه تكاليف عالية. كما سيفرض خروج بريطانيا على الشركات العاملة قيود في حركة العمال مما سيؤثر بدوره على بعض الصناعات التي تستلزم عمالة متخصصة ؛و بطبيعة الحال فإن هذه العوامل مجتمعة ستجعل من بريطانيا اقتصاد أقل جاذبية.
وتشير أحد الدراسات إلى أن الشركات المملوكة للأجانب في المملكة المتحدة قد ساهمت في رفع مستويات الإنتاجية وأن متوسط إنتاجيتها كان أعلى من تلك المؤسسات المملوكة للمواطنين البريطانيين.
وخلاصة القول أن تأثير الانسحاب لا ينطوي عليه انخفاض في الصادرات والواردات فقط أو انخفاض في حجم الاستثمارات والتصنيع ،فالتجارة والاستثمارات خلقت لبريطانيا ماهو أكبر من ذلك بكثير .
بالنسبة لي كانت مغادرة بريطانيا للاتحاد مجرد فكرة مقلقة واليوم أصبحت حدثاً مقلقاً ،خروج بريطانيا ليسسهلا فهناك تداعيات شائكة ومعقدة تتجاوز الجانب الاقتصادي إلى تنظيمات الهجرة والتعاون العلمي والبحثي وغيرها ،ورغم أنني احترم مبررات الانفصاليون للخروج من الإتحاد ،إلا أن هذه الدواعي في مجملها كانت تفتقر إلى حسن التقدير والقدرة على الإستعداد، فهل يدرك البريطانيون بالفعل إلى أي منقلب سينقلبون!
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال