الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تعتمد المملكة على أحد مصادر الطاقة ولكن هذا المصدر يتعرض لتغيرات هيكلية داخليا وخارجيا. داخليا حدث تحول تدريجي مستمر في الانتقال من توظيفه للاستثمار إلى الاستهلاك ـــ حدث ذلك على ثلاثة مستويات، الأول تزايد الاستهلاك من النفط والغاز كنسبة من الإنتاج والتصدير، والثاني تزايد المصروفات العامة إلى حد عدم قدرة أسعار النفط على استمرار مستوى مقبول من النمو. والثالث أن صناعة النفط تمر بمرحلة هيكلية من حيث إنها بدأت تفقد جزءا من بريقها الاقتصادي في تنافس مع مصادر الطاقة الأخرى وتفاعلا مع الضغوط البيئية. في ظل هذه الخلفية جاء قرار الحكومة بتأسيس وزارة عملاقة تتعامل مع الطاقة والتعدين والصناعة. التحدي كبير حين تجد وزارة الطاقة نفسها في نقطة تقاطع بين الاحتياجات المالية الضاغطة واقتصاديات طاقة متغيرة وطموح وطني للتغيير والنمو.
الدعوة لتأسيس وزارة للطاقة قديمة ولكن القليل توقع تحولا بهذا الحجم والشمولية. التحدي الاقتصادي تحليلي في المقام الأول، إذ لا بد للوزارة من إيجاد منظومة واحدة يتخللها تسعير انتقالي شفاف. التسعير الاقتصادي السلس ضروري من البئر النفطية إلى المنتج النهائي. للتسعير دور في توجيه وسرعة التحول من مصدر الطاقة القديم (النفط والغاز) إلى مصادر الطاقة الجديدة، وأخيرا تفعيل خطة التحول الوطني من دولة الرفاهية إلى دولة الإنتاج في ظل حالة من الوعي العام الذي لا يفرق بين الرفاه والاستحقاق الوطني للتحول وتكاليفه المستحقة. من ناحية إدارية تجميع وتكريس منظومة بهذا الحجم أفقيا ورأسيا يحمل فرصا ويتضمن مخاطر ليست قليلة أيضا. الفرص تأتي في السيطرة على التسعير والتخلص من الصراعات البيروقراطية التي كانت جزءا من الإرث لأسباب شخصية ومصالح ضيقة. المخاطرة بمثابة الوجه الآخر للعملة فقد يكون التسعير مدخلا لسياسة ضارة اقتصاديا في هدر الثروة ونشوء فساد اقتصادي بطرق جديدة. أصبحت وزارة الطاقة عملاقا لا يجاريه غيره في الأهمية الاقتصادية ليس بالحجم فقط ولكن بالأهمية لمستقبل المملكة. إدارة العملاق تتطلب سياسة حصيفة على أكثر من مستوى، إذ لابد من الحفاظ على سياسة نفطية تستطيع التوازن بين الاحتياطيات وحراك السوق وتكفل الضرورة المالية، وتنمية مصادر طاقة جديدة وتفعيل منظومة سعرية اقتصادية للطاقة والصناعة. في المدى البعيد النجاح في التسعير (هيكلة الحوافز) لهذه المنظومة يحدد فرص النجاح. النجاح في الصناعة وخاصة صناعة الطاقة سيؤدي إلى انتشار واسع لثقافة التقدم والإنتاجية.
سبق أن ناديت بإمبراطور للطاقة في مقال بعنوان “نحتاج إلى إمبراطور طاقة”، (“الاقتصادية” تاريخ 26/3/2013)، وقد تم اختيار المؤهل والطموح خالد الفالح لأصعب مهمة اقتصادية. في ظل هذا التعقيد يصعب أن نقدم نصيحة للإمبراطور ولكن ليس غرض العمود النقد وإنما تسليط الضوء على الفرص وتقليل المخاطر. ما يجمع الفرص والمخاطر في نظري ثلاث نصائح على الأقل في السنوات القليلة المقبلة. المساحة التي تعمل فيها الوزارة واسعة أفقيا ومعقدة رأسيا. النصيحة الأولى: لا تأخذ بما يضر ـــ Do no harm ـــ جزيئات النصيحة، لا تزيد الوظائف الإدارية وتبالغ في الاستشارات الأجنبية ولا تزيد الدعم إلا للصناعة وفي نطاق ضيق وبعين على المخرج في مرحلة محددة، وأخيرا الحرص على تفادي فرص الفساد من خلال التناقل في الأسعارtransfer pricing. النصيحة الثانية في التعجيل بتنويع مصادر الطاقة وتوطين معرفتها علميا ومهنيا وخاصة الطاقة الشمسية حيث لدينا ميزة نسبية. النصيحة الثالثة في ميدان الطاقة البشرية، تجربة “أرامكو” وانتقالها من مركز معرفي ومهني إلى مؤسسة بيروقراطية درس القرن دون منازع. علينا تفادي عيوب التجربة ــــ أحيانا التهاون في التفاصيل يقود تدريجيا للانحراف ــــ فمثلا الإسناد ــــ out sourcing ـــ بدا مغريا محاسبيا ولكنه كان مطبا اقتصاديا مؤلما، كذلك علينا التأكيد على توظيف مهنيين ومهندسين سعوديين بما لا يقل عن 90 في المائة مع الإصرار على المنافسة والابتعاد عن توظيف الأبناء والأقارب. التنازل المؤثر مسمار في نعش التقدم الحقيقي والتحول الوطني.
قرار الحكومة صائب ولكن الفيصل في تبسيط النموذج والدقة في التنفيذ وتقديم الكفاءة على التزلف الإداري. عبء تحديث الاقتصاد يتعدى دور وزارة الطاقة، ولكن لن يحدث انتقال حقيقي دون نجاح وزارة الطاقة. فعالية وزارة الطاقة حاسمة، حيث تقف في نقطة تقاطع هذه التحولات والرغبات. نتمنى لإمبراطور الطاقة وفريقه النجاح والأخذ بالنصائح المذكورة مرحليا.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال