الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض
ترجمة عبدالله المسند
ALMESSNID@
شهد نمو الإنتاجية – المهم لزيادة الدخل على المدى الطويل – انخفاضاً منذ عام 1973م إذ نمت الإنتاجية بنسبة 1.8% سنوياً مقارنة بنمو بلغ 2.8% خلال السنوات الخمسة وعشرين السابقة لعام 1973م. وفي نفس الوقت، تزايدت حالة عدم المساواة في الولايات المتحدة الأمريكية خلال العقود الأخيرة بشكل أسرع مما كان عليه الحال في الاقتصادات المتقدمة الأخرى. في عام 2014م استحوذ 1% من الشعب الأمريكي على 18% من الدخل بعدما كانت النسبة 8% من الدخل في عام 1973م. هذان الاتجاهان الرئيسيان (تباطؤ نمو الإنتاجية وزيادة عدم المساواة) هما سبب تباطؤ نمو دخل الأسر المتوسطة.
يمثل الريع الاقتصادي أهم أسباب تباطؤ نمو الإنتاجية وتزايد عدم المساواة، ومن أمثلته الكلاسيكية: الأرباح الاحتكارية، والمنافع غير المكتسبة من أنظمة الحكومة التفضيلية. ينتج الريع من استغلال قوى السوق، وبالتالي تشجيع “السلوك الانتهازي” الذي يعني الاستخدام السيء للموارد من أجل الاستحواذ على الدخل. يلعب الريع دوراً هاماً في اتساع حالة عدم المساواة وذلك إما من خلال استيلاء أصحاب الأجور المرتفعة على النصيب الأكبر من الريع أو من خلال عدم المساواة في تقسيم هذا الريع. وعلى الرغم من ندرة البيانات الحاسمة، فإن هناك أدلة معتبرة على مستوى الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي تؤكد نمو الريع في الولايات المتحدة الأمريكية.
أحد هذه الأدلة هو التباين بين ارتفاع العائد على رأس المال وانخفاض معدلات الفائدة الحقيقية. في حالة عدم وجود الريع الاقتصادي، يُفترَض أن يتبع العائد على رأس المال مسار أسعار الفائدة، إذ يعكس سعر الفائدة العائد السائد على رأس المال. لكن على مدى العقود الثلاثة الماضية، ارتفعت إنتاجية رأس المال بالرغم من التراجع الكبير للعائد على السندات الحكومية. الدليل الآخر يركز على جانب الشركات وهو يشير إلى انتشار العوائد غير العادية، فبين عامي 1997م و2012م زاد تركّز السوق في 12 من أصل 13 صناعة أساسية حسب البيانات المتوفرة، كما أن الدراسات على المستوى الجزئي تشير إلى حدوث تركّز في قطاعات: النقل الجوي والاتصالات والخدمات المصرفية والأغذية. إضافة لذلك، فإن تباين العائد على رأس المال يؤثر ولو بشكل جزئي على زيادة تركّز السوق وعلى دور الريع في الاقتصاد. أخيراً، هناك أدلة على أن نظام استخدام الأراضي قد يلعب دوراً أيضاً في زيادة الريع الاقتصادي من خلال: الحد من القدرة على تحمل تكاليف السكن، وخفض الإنتاجية والنمو على المستوى الوطني عن طريق تقييد العرض.
قام مجلس المستشارين الاقتصاديين مؤخراً بدراسة ركزت على تأثير الريع الاقتصادي في العديد من المجالات. على سبيل المثال، أشارت الدراسة التي أجريت عن التراخيص المهنية إلى أن حصة القوى العاملة في الولايات المتحدة من هذه التراخيص قد تضاعفت خمس مرات في النصف الثاني من القرن العشرين، أي أنها ارتفعت من 5% في بداية الخمسينات إلى 25% في عام 2008م. في بعض الولايات، لابد من وجود ترخيص مهني واحد على الأقل للعمل كبائع زهور أو مهندس ديكور. وعلى الرغم من الدور الهام الذي تعلبه التراخيص في حماية صحة وسلامة المستهلكين، إلا أن الدلائل تشير إلى أن بعض متطلبات الترخيص قد تخلق الريع الاقتصادي لبعض الممارسين المرخص لهم وذلك على حساب الكفاءة والعمالة التي تم استبعادها، وهو ما يزيد من التفاوت في الدخل.
كذلك، قامت دراسة أخرى عن القطاع السكني بإلقاء الضوء على دور أنظمة استخدام الأراضي في زيادة الريع. عند غياب الحواجز المعيقة للتنقل، فإن من المتوقع انخفاض فجوة الدخل بين الولايات بسبب انتقال العاملين من الولايات ذات الدخل المنخفض إلى الولايات ذات الدخل المرتفع. لكن البيانات تشير إلى أن الولايات التي تواجه قيوداً في عرض المساكن وأنظمة تحد من استخدامات الأراضي قد شهدت تراجعاً كبيراً في تقارب الدخل مقارنة بالعشرين عاماً الماضية، وذلك يعني أن العاملين ذوي الدخل المرتفع هم فقط من يستطيع تحمل كلفة الانتقال إلى المدن ذات الإنتاجية العالية، وهو ما يعزز من عدم المساواة. في الحقيقة، يمكن لبعض القيود التي تحد من استخدامات الأراضي أن تخدم أغراضاً مشروعة وتعزز من الرفاه، إلا أن الإفراط في هذه القيود من أجل حماية مصالح ملاك الأراضي الحاليين سيقلل من القدرة على تحمل تكاليف السكن وستعيق التنقل وبالتالي تخفيض الإنتاجية والنمو على الصعيد الوطني.
حالياً، هناك انخفاض في مستوى المنافسة في كل من سوق السلع وسوق العمل ظهر في نفس الوقت الذي بدأ فيه منحنى ديناميكية سوق العمل في الأجل الطويل بالنزول، وهو ما يعزز من انخفاض الإنتاجية وعدم المساواة. ورغم أن الولايات المتحدة قد حققت نجاحات تاريخية فيما يتعلق بتأسيس ونمو الشركات الجديدة، إلا أن المنحنى قد اتخذ اتجاهاً خاطئاً خلال العقود الأخيرة: فمعدلات دخول الشركات إلى السوق قد تناقصت مع ارتفاعٍ في متوسط حجم وعمر الشركات. كذلك فإن معدلات خلق الوظائف، وتنقل الموظفين بين الوظائف والصناعات، والتنقل بين الولايات قد انخفضت أيضاً.
هناك عوامل تساعد في الحد من التوزيع غير العادل للدخل وتزيد من الإنتاجية دون الإضرار بالكفاءة ومن ذلك: تغيير طريقة توزيع الريع عبر رفع الحد الأدنى للأجور وتعزيز قدرة العاملين في التفاوض مع أرباب العمل، وتسهيل متطلبات الحصول على التراخيص، والتخفيف من قيود استخدامات الأراضي، واتزان أنظمة الملكية الفكرية، وتغيير الدوافع التي أدت إلى توسع حصة القطاع المالي في الاقتصاد، إضافة إلى قيام المشرعين برفع مستوى المنافسة. مؤخراً، وقع الرئيس الأمريكي قراراً يلزم الوكالات الفيدرالية بتعزيز البيئة التنافسية كانت أولى شواهدها منع احتكار تقديم خدمات الكيبل عبر شركات محدودة وكذلك السماح للمزيد من حقوق خدمات وقت الإقلاع في المطارات. لكن في المقابل، هناك منتفعين من الريع وهم يقاتلون بشراسة للحفاظ على مكاسبهم. نتيجة لذلك، فإن من الضروري إجراء إصلاحات سياسية واتخاذ خطوات أخرى للحد من تأثير جماعات الضغط من أجل تقليل قدرة الأفراد والشركات على الوصول إلى الريع. مثل هذه الإجراءات تساعد على تقوية واستمرارية النمو الاقتصادي خلال العقود القادمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال