الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
محام ومستشار قانوني
من المعلوم أن تأسيس الشركات التجارية من قبل أصحاب الأعمال يستهدف تحقيق أهدافٍ اقتصادية واستثمارية. وفي الغالب تسبق عملية التأسيس نقاشات ومفاوضات من قبل الشركاء حول الجدوى الاقتصادية وطبيعة النشاط التجاري. وتشمل هذه المفاوضات كذلك الجوانب المالية والقانونية المتعلقة بتأسيس الشركة وإدارتها. وتتفاوت مدة هذه المفاوضات بحسب طبيعة الشركاء وحجم استثمارهم في الشركة. وبعد ذلك يقوم الشركاء باتخاذ الإجراءات النظامية لتأسيس الشركة ومن بينها توقيع عقد تأسيس الشركة، والذي هو بمثابة الدستور المنظم لأعمال الشركة وشؤونها.
وفي هذه المرحلة تكون رغبة الشركاء وحماسهم غالباً قد بلغت أوجها لبدء عمليات الشركة وبناء سمعتها وتحقيق الأرباح؛ لذا قلما يفكر الشركاء في هذه المرحلة في احتمالية قيام خصومة أو نزاع بينهم في المستقبل، والذي قد يعرقل عمل الشركة وإدارتها، بل وقد يهدد استمرارها. ويغفل الشركاء كذلك عن اتخاذ إجراءات وقائية عند تأسيس الشركة، والتي بدورها قد تسهم في حفظ الحقوق وضمان استمرارية عمل الشركة، أو في أسوء الأحوال قد تسهم في إنهاء علاقة الشركاء أو حل الشركة وتصفيتها دون وجود التزامات مالية وقانونية تثقل كاهلهم لمدد طويلة.
قد يصل الخلاف بين الشركاء إلى مرحلة يصعب فيها حله أو إدارته، فيصبح خيار فض علاقة الشراكة هو الخيار الأنسب والأحكم. وقد ينهي الشركاء علاقتهم بتنازل الشركاء أو أحدهم عن حصته، أو حل الشركة وتصفيتها اختيارياً أو قضائياً. أشارت المادة السادسة عشر من نظام الشركات الجديد الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/3) وتاريخ 28/1/1437هـ إلى أسباب انقضاء الشركة ومن بينها: «انقضاء الشركة باتفاق الشركاء على حل الشركة وانقضائها قبل انتهاء مدتها»، وكذلك «صدور حكم قضائي نهائي بحلها أو بطلانها بناء على طلب أحد الشركاء أو أي ذي مصلحة وكل شرط يقضي بالحرمان من استعمال هذا الحق يعد باطلاً». في حالاتٍ كثيرة يستحكم الخلاف بين الشركاء إلى مرحلةٍ يصعب فيها الوصول إلى حلولٍ ودية سواء كانت اتفاقاً على تنازل الشركاء أو أحدهم عن حصته أو حل الشركة وتصفيتها تصفيةً اختيارية، لذلك يصبح اللجوء للقضاء وطلب التصفية القضائية خياراً لا مفر منه.
على الرغم من أن اللجوء للقضاء قد يكون الخيار الوحيد للشركاء أو الشريك صاحب المصلحة لحل الشركة وتصفيتها، إلا أنه خيار له تبعات سلبية من بينها: التأثير على إدارة الشركة وعملها، وكذلك سمعة الشركة والشركاء مع الأخذ بعين الاعتبار طول مدة التقاضي إلى حين صدور حكم نهائي يقضي بحل الشركة وتصفيتها. تجدر الإشارة بأن نظام الشركات السابق قد نص في المادة الخامسة عشر أن من أسباب انقضاء الشركة: «صدور قرار بحل الشركة من هيئة حسم منازعات الشركات التجارية (الجهة القضائية المختصة) بناء على طلب أحد ذوي الشأن وبشرط وجود أسباب خطيرة تبرر ذلك». وفي تفسير الشق الأخير من المادة الخامسة عشر في النظام السابق والمتعلق بالمسوغ النظامي لطلب حل الشركة وتصفيتها قضائياً، تفاوتت أحكام الدوائر التجارية في ديوان المظالم إلى حدٍ يصعب معه التنبؤ بشأن المقصود بالأسباب الخطيرة والتي بوجودها يُحكم بحل وتصفية الشركة قضائياً. ومع صدور النظام الجديد كان من المنتظر أن يقوم المنظم بتوضيح المقصود بالأسباب الخطيرة والتي تجيز للشركاء أو أحدهم أو أي ذي مصلحة طلب حل الشركة وتصفيتها قضائياً، إلا أن النظام لم يشر حتى إلى أهمية وجود أسباب خطيرة كشرطٍ لطلب حل الشركة وتصفيتها قضائياً. وأرى أن هذه ثغرة قد تفتح الباب على مصراعيه للشركاء أو ذوي المصلحة لرفع دعاوى حل الشركات وتصفيتها دون وجود أي مسوغ يستدعي ذلك. وفي المقابل قد تحرم البعض الآخر من حقه في حل الشركة وتصفيتها لأن خصومته ونزاعه لا يعتبر من قبيل الأسباب الخطيرة. فلذلك من المؤمل أن تتدارك اللائحة التنفيذية هذه النقطة بشيءٍ من التفصيل لما لذلك من أهمية في استقرار أعمال الشركات وعلى استقرار البيئة الاقتصادية، وكذلك حفظ حقوق الشركاء والغير ومصالحهم.
أخيراً وبالنظر إلى طبيعة عقد الشركة على أنه عقد رضائي بين الشركاء، يثور تساءل مهم وهو: هل بإمكان الشركاء الاتفاق حول الأسباب المسوغة لقيام الشركاء أو أحدهم بطلب حل الشركة وتصفيتها قضائياً، والإشارة إلى ذلك في عقد تأسيس الشركة، مع مراعاة أن يكون هذا الاتفاق بمثابة تنظيمٍ لممارسة هذا الحق الذي كفله النظام وليس حرماناً للشركاء أو أحدهم من استعماله، والذي منعته المادة السادسة عشر في الفقرة (و) واعتبرت أي شرطٍ يخالف ذلك باطلاً.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال