الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
abdulkhalig_ali@
abdu077@gmail.com
إبن أختي المهندس المتخصص الذي أبدع في مجال تخصصه بعمله في شركة من أقوى الشركات العاملة مع أرامكو ، حتى أصبحت سيرته الذاتية مفتاح رئيسي يفتح بها أبواب كل الشركات التي يتجه لها . وبدل أن يستمر في ترسيخ تميزه في تخصصه الهندسي الذي جعل من كفيه صانعا ذهب أستغل أول فرصه للهروب من ذلك التخصص الذهبي . فمع أول عرض إداري له ألقى كل ما في يديه من عِدد وأجهزة ومفاتيح ونزع لباسه الملطخ بالزيوت ومسح يديه المتسختين من العمل ، ولبس ثوبه المكوي وشماع المنشاة وأمال عقاله على رأسه وتعطر بأفضل أنواع العطور وأتجه لعمله الجديد تسبقه فرحته ونشوته .
أبن أختي ليس فريدا ولا شاذا بين المهندسين بل قد يكون ضمن القاعدة التي يعمل بها معظم متخصصي الهندسة ، وتحديدا التخصصات المرهقة منها التي تتطلب جهدا بدنيا وذهنيا عاليا طوال وقت العمل ، بل إن البعض منهم يبحث عن عمل إداري منذ تخرجه ويرفض ممارسة عمله المهني ، يغريهم في العمل الإداري راحة العمل مقارنة بالعمل الهندسي ووجاهة العمل الإداري ووهم أن دخل العمل الإدراي أعلى .
والحقيقة أن تهافت المهندسين وكل المهنيين على العمل الإداري يمثل خسارة حقيقية على ثلاث مستويات ، المستوى الشخصي ، والمستوى المؤسسي ، والمستوى الوطني . فعلى المستوى الشخصي أول ما يفقد المهني مهاراته المهنية بعد فترة من تركه العمل الفعلي لمهنته ، وكلما طالت المدة التي يبعد فيها عن المهنة كلما صعُبت عودته ، بسبب عدم الممارسة من جانب وللتطور العلمي والتقني الذي يستحيل متابعته وهو بعيد عن الممارسة الفعلية لمهنته . ثم يخسر الإبداع وإتقان العمل والتطور السريع في مهنته ، فهما كانت مهاراته في العمل الإداري فلن يكون بقدر تخصصه الذي درسه لسنوات وعرف أسسه ومارسه وعرف خفاياه .
ولوجود المتخصصين في العمل الإداري الماهرين وبشهادات عليا يفقد المهندس ميزة المنافسة، ولن يستطيع مجاراتهم في الغالب ما يعني أنه يفقد تميزه الوظيفي وتطوره وترقيته . أهم ما يخسره المهني بعمله الإداري دخله السنوي ، خصوصا على المدي الطويل ، فيندر عدا في الإدارات العليا أن يكون العمل الإداري أعلى دخلا من العمل المهني ، بل إن المهني الماهر الخبير بعد فترة من الزمن يصبح عملة نادرة والحصول عليه مكلف جدا ، فدخل المهندس المتخصص الخبير عالي جدا يصعب أن يصله أي إداري ، والأهم أنه قادر على تأسيس مشروعه الخاص في مهنته التي أتقنها .
أما على المستوى المؤسسي فمحاولة ضرب عصفورين بحجر من خلال تعيين مهندس إداري فمن جانب يؤدي عمل هندسي ولو بالاشراف فقط ومن جانب يقوم بالعمل الإداري ، فلن تحقق المؤسسة بذلك الحجر أي صيد ، فالعمل التخصصي هو العمل المتقن المربح على المدى الطويل . وغالبا ما ينشغل المهني بالجوانب الفنية التي تخص مهنته عن ملاحظة الأمور الإدراية بمشاكلها وتطويرها ، وقد تُحقق المؤسسة نجاحا في الجانب الهندسي لكنها تفشل في الجانب الإداري وبدل أن تحقق مكاسب تتكبد خسائر تفوق تكاليف تعيين المتخصصين في أماكنهم .
وعلى المستوى الوطني الإقتصادي فالخسائر كبيرة جدا جدا . تبدأ بتحويل مهندس أُنفق عليه مبالغ كبيرة جدا حتى تخرجه ، وتدريبه للعمل في تخصصه الهندسي المهني ، وبدل ذلك يعمل بعمل إداري قد يكون خريج المرحلة الثانوية قادر على القيام به . ثم إن العمل في غير التخصص يعني عدم الإتقان غالبا ، وعدم الإتقان يعني إنخفاض الجودة من جانب والإنتاجية من جانب أخر وكل تلك خسائر متراكمة تعمل كمعجل لخسائر الاقتصاد . وعمل شخص في غير تخصصه يعني عامل أخر في غير تخصصه أيضا أو تعطله عن العمل مما يزيد الطين بله .
ومما رأيته بنفسي أخوين أحدهما خريج كلية التربية يعمل مخرجا في الإذاعة السعودية والأخر خريج إعلام تخصص إخراج يعمل معلما ، أي أن كل منهما أخذ عمل الأخر . وأسوأ النتائج على الاقتصاد هو الحاجة لتلك التخصصات المهنية ، فحين يعمل السعوديون في الإدارة فإن سد حاجة الاقتصاد من تلك التخصصات يتم عن طريق إستقدام المهنيين من الخارج ، وهي المشكلة التي يعاني منها الإقتصاد السعودي منذ زمن بعيد ، وسيظل يعاني منهامالم تتم إعادة هيكلة سوق العمل . أخيرا عمل المهنيين ومنهم المهندسين في غير تخصصاتهم يربك الإحصاءات الصحيحة عن سوق العمل .
أنصح إبن أختي وكل شاب مثله ممن أرهقوا أنفسهم في تخصصات نادرة ومهمة لهم وللمؤسسات التي يعملون فيها وللإقتصاد الوطني ، أنصحهم أن يحرصوا على العمل في تخصصهم وعدم التضحية به ، والترقي ضمن ذلك التخصص . ولا إشكال إن عمل أحدهم في العمل الإداري لكن بعد أن يقضي وقتا طويلا في مهنته ويتشرب كل مراحلها ويتقنها تماما ، فذلك ما يحتاجه الوطن وما ينفعهم في مستقبلهم المهني والعملي .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال