الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ضمن أنظمة لعبة كرة القدم تعتبر البطاقة الصفراء بمثابة انذار مبدئي يشير الى احتمال عدم استمرارية اللاعب الحاصل على البطاقة داخل اللعبة نتيجة لممارسات غير سلوكية او غير نظامية مارسها اللاعب خلال اللعبة. وتكون نهاية اللاعب الغير مكترث بحصوله على البطاقة الصفراء والمستمر في نفس الممارسات التي أهلته لنيل البطاقة الصفراء هي الحصول على البطاقة الحمراء التي تدل على فشل اللاعب في الحفاظ على ممارسة اللعب بالشكل النظامي وبالسلوك المقبول لذا تكون البطاقة الحمراء هي بوابة خروجه من اللعبة ودلالة فشله وخيبته.
وفي سوق المال تأتي الأعلام او الإشارات التي تفصح بها شركة تداول كدلالات عن حالة الشركات المساهمة المتداولة التي تعاني من خلل مالي مؤثر. وليس هناك خلل أشد من حالة تراكم و تضخم الخسائر آكلة لرأس مال الشركة ومقللة من فرص استمراريتها في اداء اعمالها بالشكل المطلوب. من الأمور المسلمة والمطلوبة من الجهات المهتمة بالشركات المساهمة سواء مستثمرين او مقرضين هو مدى قدرة الشركة على تحقيق العوائد المقصودة وأيضا قدرتها على الاستمرار في تحقيق ذلك الكم من العوائد.
فحين تتزايد الأعلام (الإشارات) الصفراء والحمراء في السوق المالي فذلك مؤشر على مشاكل مالية تعاني منها عدد من الشركات وعادة المشاكل المالية لا تكون ناتجة دائما من مسببات خارجة عن طاقة الادارات ولا بمعزل عن التأثير على حالة المستثمرين داخل السوق. فمثلا مشكلة شركة المعجل التي بدأت بإشارة صفراء ثم حمراء معلقة تداول الشركة ثم تحقيقات فعقوبات صارمة اشتملت على السجن والايقاف تدل على امكانية تحول اللون الاصفر الى احمر وقد نقول احمر داكن ايضا. حيث كانت اصابع الاتهامات قد انتهت الى تورط المجلس الاداري في ما حدث من فشل مالي للشركة.
حالات الفشل المالي حين تتكرر لا تكون ابدا مدعاة الى استقرار السوق المالي وتأرجحه حول القيم العادلة للشركات المدرجة. قد يعتقد البعض ان افصاح شركة تداول عن المشكلة المالية للشركة من خلال الاشارة الى ذلك بمؤشرات معينة قد يزيد من مشاكل الشركة خصوصا ان ليس كل المستثمرين قادرين على استنتاج تلك الاشكاليات مباشرة من واقع القوائم المالية (التي هي مطالبة بالافصاح عن تلك الخسائر) وبالتالي هذه الاشارات قد تعطي الأمر اكبر مما هو عليه فتكون ردة فعل المستثمرين تبعا لذلك شديدة وبالتالي بتأثر بشدة سعر السهم وبالتالي يتأزم واقع الشركة اذا ما اخذنا في الاعتبار ردة فعل اصحاب الالتزامات على الشركة.
لكن ما يجب ان يعيه المستثمر والمهتم ان مهمة هيئة سوق المال وايضا المؤشرات التابعة لاشرافها ان تكون عادلة لجميع الاطراف وشفافة في عرض جميع المعلومات الخاصة بالشركات. لذا لا يجب ان ينظر الى الاشارة الصفراء او الحمراء على انها مدلول سلبي فقط بل قد تكون هي طوق النجاة خصوصا الاشارة الصفراء التي تعني انه لازال هناك مجال للتدراك من خلال تبني مجالس الادارات لتوجهات ادارية جادة لحل المشكلة.
وقد اشارت بعض الدراسات الاكاديمية الى حقيقة ايجابية تلك الاشارات و ايضا تقارير المراجع الخارجي التي تبدي رأيا شفافا حول قدرة المنشأة على الاستمرارية في أعمالها (حتى وان كان رأيه قد يشير الى تضاؤل تلك القدرة على الاستمرارية).
ففي سوق المال السعودي يظهر بوضوح تزايد تلك الاشارات في قطاع التأمين بشكل واضح حيث شكلت الشركات التي حصلت على اشارة من الاشارات الدالة على احتمالية الفشل المالي نسبة 20% من اجمالي الشركات المطروحة في قطاع التأمين (حيث أن هناك 7 شركات موسومة اما باشارة صفراء او حمراء من اجمالي 35 شركة تأمين مطروحة).
و مما لا شك فيه ان القطاع المالي من مؤسسات مالية مختلفة بما فيها مؤسسات التأمين يواجه كم ليس بيسير من المخاطر التي تحتاج الى قدرات ادارية وكفاءات مهنية قادرة على مواجهة تلك التحديات الاقتصادية المحلية والعالمية. لكن قطاع التأمين يعتبر من اكثر القطاعات مواجهة للمخاطر العالية باعتبار ان فكرة التأمين تدور حول شراء المخاطر من العميل مقابل سعر معين تعتقد به شركة التأمين انها قادرة على تغطية اي خسائر (مخاطر) مرتبطة بذلك العميل وفق بوليصة التأمين التي حصل عليها العميل.
فالأمر يحتاج الى قدرات اكتوارية متميزة لتحديد جميع العوامل المؤثرة في تقدير امكانية حدوث الخسارة او الخطر وبالتالي تحديد حجم التكلفة الملائم والذي به تحدد شركة التأمين السعر المقبول للخدمة. والأمر لا يقف عند امكانية تقدير التكلفة بل بلاشك يتعدى ذلك الى قدرة تلك الادارات في تحقيق العوائد من تغطية تلك المخاطر من خلال استثمار ما تحصل عليه الشركة من مبالغ مقدمة من العملاء وايضا في نفس الوقت القدرة على الاحتفاظ بالسيولة الملائمة لتغطية التزامات الشركة ازاء مخاطر عملاءها والتزاماتها الاخرى. وبالتالي القدرات الاكتوارية والاستثمارية ستكون بلا شك محدد قوي لمدى قدرة شركة التأمين في الاستمرار لمقابلة التزاماتها و المتطلبات النظامية و الادارية.
قطاع التأمين هو تحت رقابة خاصة من قبل مؤسسة النقد بالاضافة الى وزارة التجارة والاستثمار مضيفين الى ذلك دور هيئة سوق المال الرقابي لجميع الشركات المطروحة في السوق. وبالتالي حجم التنظيمات والمتطلبات الرقابية يعتبر كبيرا ومتحفظا بشكل كبير ازاء التوجهات الادارية في مثل هذا النوع من القطاعات لما يكتنف هذا المجال من حجم مخاطر عالية. فاعتقد أن هذا التزايد في حالات التأزم المالي في قطاع التأمين يحتاج الى نظرة الجهات الرقابية لتحديد مكمن الخلل فان كانت المشكلة في القدرات الاكتوارية او الكفاءات الادارية لتقدير حجم المخاطر فنحن هنا امام ازمة تستدعي حلولا تتطلبها الرقابة الاستباقية. أما اذا كانت المشكلة نابعة من عوامل اخرى اجتماعية او نظامية فايضا الامر يحتاج الى تدخل لتعزيز موقف شركات قطاع التأمين حتى لا تتوالى حالات التأزم بشكل مؤثر على صحة السوق.
جانب الايرادات لقطاع التأمين والمتمثل في حجم العملاء المرتبطين بعقود تغطية التأمين يعتبر ليس محدودا بل في تزايد باعتبار المتطلبات النظامية التي تستحدث بين فترة واخرى فقد رأينا البداية مع التأمين للمركبات ومن بعده التأمين الصحي الذي بات متطلبا نظاميا في القطاع الخاص وهناك احاديث عن نوايا مستقبلية لتطوير جانب التأمين الصحي لمجالات اخرى فبهذا جانب الايرادات (المبيعات) قد يكون تحديده او تقديره ينطوي على نسبة معينة من الوضوح لكن يبقى الامر متعلق بكيفية تنمية تلك الايرادات و ايضا التقدير العادل للاسعار و التكاليف الادارية والتشغيلية .
ولو اخذنا خطوة للخلف ونظرنا لحجم الأعلام (الإشارات ) الصفراء والبرتقالية والحمراء في جميع الاسهم المطروحة داخل السوق سنجد ان ما يمثل تقريبا 5% من الشركات المطروحة قد حصلت على نوع من تلك الإشارات. وفي سوقٍ يعتبر واعد وفي طور التطوير والتنمية ويستهدف الى زيادة حجم السيولة المتداولة داخل السوق وبالتالي جذب رؤوس الأموال الاجنبية يعتبر تزايد مثل هذه المؤشرات عاملا معطلا لعجلة التطوير ومنفرا لعدد من رؤوس الأموال التي لن تقامر ما دام ان السوق لا يقدم لها حجم الاستقرار الذي تحتاجه رؤوس الأموال التي تعتبر بطبعها جبانه (او شديدة الحذر ازاء المخاطر).
خاتمة: ارتباط أسواق المال عالميا وتأثرها بشكل جمعي يعود في أحد اشكاله الى تشابه السلوك البشري في التعامل مع المخاطر حول العالم مما يدفع الى سرعة الاهتزاز لتلك الاسواق وان كانت غير مرتبطة بشكل دقيق باي حدث اقتصادي يحدث حول العالم فما بالنا حين يكون المؤشر او العلامة او المؤثر هو من داخل السوق
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال