الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تمر الاقتصادات، متقدمة كانت أم ناشئة، بدورات اقتصادية متلازمة، هبوطا وصعودا. وعادة ما تعمل الحكومات والمصارف المركزية على تفعيل السياسات المالية والنقدية لضبط وتخفيف حدة هذه الدورات الاقتصادية. وهي بذلك تعمل على التحكم في مسار الاقتصاد ومحاولة تلافي الأزمات. أما في حالة الاقتصادات الناشئة، وخصوصا المعتمدة على تصدير السلع الأولية، فإنها تتبع الدورة الاقتصادية للسلع بشكل عام، مهما بلغ زخم وحجم اقتصادها. هذا ما نلمسه اليوم في واقع الاقتصاد السعودي، الذي عمل على تشديد سياسته المالية في الصرف على المشاريع وإرخاء سياسته النقدية لمواجهة نقص السيولة. إلا أن اتجاه السياستين يسيران بشكل متعاكس في النتائج المرجوة. فالتشديد في السياسة المالية سيعمل على تقليص الناتج المحلي والتوسع في السياسة النقدية يعمل على دعم الإقراض لتسهيل توسع الاقتصاد. هذه الإجراءات لا تأتي لمجرد مواجهة دورة اقتصادية هابطة، إنما لإصلاح تشوهات طويلة الأجل، تراكمت على مدى عقود، بسبب السياسات المالية التوسعية والمتراخية. ولكن لا يمكن الاستمرار بتشديد السياسة النقدية بشكل عام، فالإنفاق الحكومي هو عصب الاقتصاد السعودي، كما أننا ما زلنا بحاجة ماسة إلى تطوير البنية التحتية للاقتصاد. ولذلك لابد من أن يكون التشديد نوعيا بحيث يستهدف تحرير الاقتصاد السعودي من قيوده كافة والأحمال التي تحد من قدرته على النمو. أهم ما نحتاج إليه للعبور باقتصادنا وتحريره من إرثه النفطي هو تخفيف الأحمال التي أثقلنا بها الاقتصاد. تنوعت هذه الأحمال الثقيلة التي تشمل دعم المحروقات والكهرباء إلى الإسراف في الاستهلاك، ولكني أعتقد أن أثقلها هو اعتمادنا المفرط على العمالة الرخيصة.
ولذلك فإني أرى أن تقليص الإنفاق الحكومي بالدرجة التي تستوجب على القطاع الخاص تسريح عمالتها في القطاعات التي تعتمد على العمالة الرخيصة بشكل كبير، مثل المقاولات، بمستوى أهمية ضبط الإنفاق الحكومي نفسه وزيادة إيراداته. بل يجب التنسيق مع وزارة العمل كذلك، التي تقوم اليوم بتوطين عديد من القطاعات الاقتصادية والتجارية، لوضع هدف تقليص القوة العاملة في الاقتصاد السعودي. على أن يكون هذا التقليص في المستويات الوظيفية الدنيا فقط. فالكثير من العمالة الوافدة في المستويات الدنيا غير ذات قيمة اقتصادية مضافة حقيقية، بل على العكس، فإنها تستهلك من الموارد الاقتصادية المحدودة للبلاد. ويتم العمل على هذا الهدف بوسيلتين، الأولى تحارب الحالات التي تكون فيها قوى العمل فائضة عن الحاجة لدرجة تأثيرها في المنافسة والأسعار، والثانية عن طريق زيادة اعتماد التقنية ورفع إنتاجية العامل.
فعلى سبيل المثال، نحن لا نحتاج إلى أي عامل في محطات الوقود يقوم بملء الخزانات. يمكن الاستعاضة عن هؤلاء الأجانب بمضخات أوتوماتيكية، الأمر الذي سيخفض من عدد العمالة التي تستهلك في مسكنها الكهرباء والوقود في تنقلها وغير ذلك من المقدرات التي كان بالأولى الاحتفاظ بها للمواطن، أو على الأقل لوافد يضيف قيمة حقيقية للاقتصاد. الدورة الهابطة التي نمر بها أمر صحي، بل هي فرصة قد لا تتكرر لنتخلص من إدماننا على العمالة الرخيصة، فلنحسن استغلالها.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال