الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا شك أن السكان هم الهدف النهائي للتنمية، وهم المحرك الأساس الذي يؤدي إلى نجاح خطط التنمية وبرامجها، فبدون المواطن الواعي والمتعلم والمؤهل لا يمكن للمجتمع أن ينهض وينافس على المستوى الدولي في مجالات العلم والابتكار والاقتصاد والسياسة. وقد شهدت المملكة العربية السعودية تغيرات ديموغرافية واكبت الطفرات الاقتصادية والتغيرات الاجتماعية وتأثرت بها. ونظرا لصعوبة استعراض ملامح التغير السكاني أو مناقشتها في مقالة قصيرة، فسنتناول بعض الخصائص والمؤشرات التي تستقطب كثيرا من الجدل بين حين وآخر، وسنؤجل قضايا مهمة أخرى إلى مقالة قادمة.
أولا، معدل البطالة لا يزال عصيا حسب الإحصاءات المنشورة، رغم البرامج الكثيرة التي تبنتها الدولة وفي مقدمتها “حافز”، و”نطاقات”، وسعودة محال الذهب، والاتصالات، والأغراض النسائية وغيرها، ما يؤكد الحاجة إلى حلول جذرية على المدى القصير والمتوسط والبعيد. على أي حال، أظهرت نتائج مسح القوى العاملة الأخير الذي نشرت نتائجه قبل أيام، أن معدلات البطالة لم تشهد تغيرا يذكر على مدى السنوات العشر الماضية تقريبا، فقد بلغ معدل البطالة للقوى العاملة السعودية بناء على بينات آخر مسح للقوى العاملة في عام 2016م نحو 11.6 في المائة، لكن عندما يحسب للذكور 5.4 والإناث 33.7 كل على حدة، يبرز الوضع المؤلم الذي يواجه توظيف المرأة، نتيجة محدودية الفرص المتاحة للمرأة، وعدم تحسن وضعها العملي سواء من حيث بيئة العمل أو خيارات النقل أو حمايتها من الابتزاز والتحرش في بيئات العمل. كما تظهر البيانات أن أكثر من نصف المتعطلين “54 في المائة” هم من حملة الشهادات الجامعية. وتزداد خطورة الموضوع عندما نعلم أن القوى العاملة السعودية تمثل أقل من نصف إجمالي القوى العاملة في السعودية، أي 46 في المائة فقط في عام 2016.
ثانيا، ملكية المسكن لا تزال عصية على معظم الناس، نتيجة ارتفاع أسعار الأراضي وكذلك مواد البناء، إضافة إلى عدم وجود خيارات موثقة في مجال الإنشاء والبناء يركن إليها المواطن لبناء منزله الخاص، ولا شك أن شروط صندوق التنمية العقاري في الماضي أسهمت في بروز مشكلة الإسكان. فتشير بيانات التعداد إلى أن نسبة ملاك المنازل تصل إلى 62 في المائة من رؤساء الأسر، لكن النسبة الحقيقية ربما تكون أقل من ذلك إذا حسبت على أساس الرجال المتزوجين، مع استبعاد المساكن غير المناسبة لسكنى الإنسان. وأعتقد أن الحل هو توفير خيارات متنوعة وحلول إبداعية أمام المواطن، سواء من حيث تحديد نوع التمويل أو مقر السكن أو نوعه، وكذلك اختيار شراء المسكن الجاهز أو إنشائه من خلال شركات متخصصة توفر الجودة والسعر المناسب. ومن المثير وجود نحو مليون مسكن شاغر حسب بيانات التعداد مع تفاقم أزمة الإسكان، منها 123 ألفا في منطقة الرياض، ونحو 90 ألفا في المنطقة الشرقية، مع أن النسبة الأكبر توجد في مكة المكرمة للحجاج والمعتمرين.
ثالثا، التأخر في الزواج من القضايا التي تطفو على السطح في وسائل الإعلام بين حين وآخر، مع الإشارة إلى وجود أكثر من مليون ونصف عانس، لكن إحصاءات تعداد السكان لعام 2010 لا تؤيد ذلك الرقم أبدا. فعدد النساء السعوديات اللواتي بلغن سن الثلاثين دون دخول القفص الذهبي يصل إلى 193232 امرأة، أي ما يمثل 10 في المائة من النساء اللواتي لم يسبق لهن الزواج. لكن عدد المطلقات يربو على هذا العدد، فقد بلغ نحو 230 ألف امرأة، أي ما يمثل 3.5 في المائة من إجمالي النساء اللواتي أعمارهن 15 سنة فأكثر. وللحقيقة، لا يمكن النظر إلى هذه الأرقام كأعداد وأرقام فقط، لأن كل رقم يمثل إنسانة تعيش وحدها وربما تعاني جور الأيام وقسوة ظروف المجتمع.
وأخيرا لا تتيح المساحة المخصصة لهذه المقالة مزيدا من التحليل والمناقشة، فأترك الإحصاءات تتحدث عن نفسها، فلعلها تجيب عن بعض التساؤلات، وتثير تساؤلات أخرى مفيدة.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال