الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
اليوم في المملكة تتنافس المؤسسات الحكومية على جيوب المواطنين تنافساً محموماً، وكأنها صارت حرثاً مستباحاً، فهي مناخُ لمن سبقْ، ومن سبقَ له ربَح، دعم هذا السباق غير العادل توجه يركز على الإيرادات غير النفطية، وكأن الإيرادات التي يتم التنقيب عنها موجودة في جيوب المواطنين فقط !! لقد ذكرت في مقال سابق إن أكثر ما أخشاه من رسوم الأراضي هو أن تُقعد لقاعدة وتكون نواة لمسلسل من الرسوم تُفرض على المواطن ، وقد حدث ، ولأول مره أرى شعباً يتخذ قراره بدعم منطق فرض الرسوم عليه !! وتم ذلك ، فبضغط جماهيري تم فرض رسوم الأراضي ، ثم أتبعها دعم جلي بفتاوى شرعية !! فإكتسبت الصبغة الشرعية ، وبعد أن كانت مكوساً محرمة أصبحت رسوماً محللة !! بعدها إنفتح الباب على مصراعية ، فرسوم الأراضي لم تُقر إلا بعد إستشارة العلماء ومجلس الشورى وأصحاب الرأي .. الخ ، فلم يبق مجلس الا عرضت عليه حتى المجلس الإقتصادي الأعلى في حينه ، أما الرسوم التي تلتها فيكفي أن تكون مبادرة تابعة لبرنامج تنويع مصادر الدخل حتى يتم الترحيب بها ، فيتخذ قرارها الوزير أو المسئول “بخطة قلم” كما يقال ، وتحضى بالقبول عند الوزارات الأخرى والمرجعيات ذات العلاقة . تنويع مصادر الدخل هدف رائع ويستحق العمل من أجله ، ولكن ليس على حساب المواطنين ؟ أسهل طريقة لزيادة دخل الدولة هي إرهاق كاهل المواطنين والقطاع الخاص وذلك عن طريق فرض الضرائب على المواطنين ، وتخفيف الدعم المباشر وغير المباشر على الخدمات العامة ، ثم فرض الرسوم على الأعمال ، والرسوم على العمالة ، وزيادة تكلفة خدمات الدولة ، وبالتأكيد ستزيد الإيرادات الأخرى ، ولكن هل هذا هو التنوع الذي ينادي به العقلاء ، أو يطمح له المصلحون ؟ عندما نادي المنادي بتنويع مصادر الدخل وجاء البشير معلناً عنها ، اتجهت التوقعات إلى تحسن قادم لإيرادات الدولة من إستثماراتها النوعية ، وزيادة في عوائد الدولة من صادراتها غير النفطية ، وارتفاع في مداخيل الدولة الناتجة عن فعالية التنمية الصناعية والتبادل التجاري ، وإعادة صياغة آليات وفعالية أذرعة الدولة الاستثمارية داخل وخارج المملكة لتتجاوز التوقعات منها ، وتفعيل للقطاعات المعطلة لتتحرك عجلته خاصة التعدين والموارد الطبيعية ، وإستثمار المزايا النسبية للمملكة خاصة السياحة الدينية ، والموقع الجغرافي المتميز . من جهة أخرى يرى البعض أن الرسوم تدعو الى ترشيد استخدام الموارد ، وهذا منطق لا يجادل فيه عاقل ، ولكن ترتيب الأولويات مهم وإختيار التوقيت المناسب كذلك . فليس من المنطق أن تزيد الأعباء على كواهل المواطنين عندما ينقص دخلهم ، وتزيد حاجتهم ، ويقل دعم حكومتهم ، وتزيد البطالة بينهم ، وتحتاج الدولة إلى معنوياتهم المرتفعة ودعمهم لقراراتها وتوجهاته نتيجة العداء السياسي والعسكري المحيط بنا في كل إتجاه. يضاف إلى ذلك أن الكثير من الخدمات التي تم الإعلان عن فرض رسوم عليها هي أصلاً أقل من المستوى المأمول ، ويلتزم المواطن الصمت في كثير من الأحوال بسبب مجانيتها أو شبه مجانيتها ، بعد فرض الرسوم ستكثر الطلبات ، وستزيد الإعتراضات ، فعندما يدفع المواطن مقابل الخدمة يريد أن يحصل على أضعاف قيمتها ، وهو المنطق الطبيعي للمقولة الشعبية “دافع قيمتها بفلوسي!!” ويقول المثل الشائع “من يقدم السبت يلقى الأحد” ، والرسوم ليست شذوذاً عن ذلك ، فحالات فصل الكهرباء لا زالت مستمرة ، وحالات إنقطاع الماء يشتكي منها المواطنين في الرياض وجدة فكيف بباقي المدن ، ومشاكل تصريف السيول وجمع النفايات والطرق والحوادث الناتجة عنها ، وإنتشار السرقة .. الخ أكثر من أن تُحصر وأكبر من أن تُحجب .فلو قدمت الجهات الحكومية مجتمعة الخدمات المتميزة ، وأعلنت بعدها عن برامجها لفرض الرسوم وزياداتها للأعوام العشرة القادمة ، ومبررات ذلك ، سيكون القبول بها وتأثيرها ألطف من واقع الحال . المشكلة أن الإنزعاج والقلق الذي نعاني منه حالياً نتيجة الرسوم التي تم فرضها ، وإرهاصات الرسوم القادمة التي يتم إستشعارها ، لن تكون شيئاً مقارنة بالتسونامي القادم نتيجة لضريبة المبيعات التي تم إعتمادها خليجياً وسيتم تطبيقها قريباً . يضاف إلى ذلك أن جميع الرسوم التي سيتم تحميلها على القطاع الخاص أو العاملين فيه ، سيعاد تحميلها على المستخدم النهائي ، وسيدفعها المواطن بشكلها المباشر وغير المباشر ، بغض النظر عن مبررات الجهات الحكومية عند فرض الرسوم على القطاع الخاص. إن ثمن الرسوم غير المبررة التي يتم فرضها تباعاً أغلى مما نتخيل ، أبسط حالاته بث حالة من الانزعاج للأجهزة الحكومية، فهل تستحق كل هذا العناء!! ختاماً .. يا أصحاب المعالي رفقاً بأصحاب العيالِ ..
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال