الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
دكتوراة في ريادة الاعمال
SaeedAlgarny@
SaeedAlgarny@gmail.com
قبل قرابة العقدين حضرت دورة في مهارات الاتصال مع مدرب “خواجة” ، وضع لنا في نهاية الدورة قائمة ببعض الكلمات و الجمل مما ينصح بإدراجه في ثنايا الحديث مما يوحي للمتلقي بأن قائلها مثقف ، و فاهم جدا ، نظرا لبريق تلك الكلمات و لمعانها! أتذكر هذه القصة دائما – و لعلكم ستفعلون مثلي لاحقا- حين أجد من يمارس ذلك بترديد بعض الكلمات الرنانة ، سواء بالعربي أو الانجليزي دون مناسبة السياق لذلك ، و من تلك الكلمات في اعتقادي كلمتي الريادة (*entrepreneurship) ، و الإبداع (innovation) محور حديثنا اليوم!
ريادة الأعمال نقصد بها الترجمة العربية الأوسع انتشارا لمصطلح (entrepreneurship) ، الذي أستخدم للمرة الأولى في أدبيات الاقتصاد و الادارة قبل ثلاثة قرون على يد الاقتصادي الفرنسي الايرلندي الأصل ريتشارد كانتيلون (1680-1734) ، الذي استخدم مصطلح انتربنور (entrepreneur) في تصنيفه للعاملين بالمجتمع كالتالي: الملاك أو الرأسماليون (land owners) والعمال (wage workers) و رواد الأعمال أو الانتربنورز (arbitragers) ، و وضع االتعريف التالي للريادة : “استعداد الأفراد لتنفيذ أشكال من المتاجرة (arbitrage) التي تنطوي على المخاطر المالية لبدء منشأة جديدة (new venture)” و قد واجه الانجليز صعوبة في ايجاد كلمة انجليزية مرادفة فاقترحوا undertaker” و “adventurer ولكنهم لم يفلحوا فاستخدموا كلمة entrepreneur الفرنسية كما هي ، لكن فلنتذكر أن هذا تاريخ “مصطلح الريادة” لكن الريادة كفعل هي حرفة انسانية قديمة لا نعلم متى بدأت!
منذ وقت كانتيلون و الباحثون “لم يتفقوا” على تعريف واحد للريادة و الرواد ، و بدأ كل باحث بوضع تعريف جديد متأثرا بفهمه ، و خلفيته الدراسية ، و اهتمامه ، فالاقتصادي مثلا ركز على الأثر الاقتصادي للريادة ، بينما ركز المتخصص في علم النفس على الخصائص الشخصية للرواد ، و لذلك كثرت التعاريف ، و اشتملت على عدة مفاهيم ، لكن المرصد العالمي لريادة الأعمال (GEM) أقر مؤخرا هذا التعريف لريادة الأعمال و الذي لا يبتعد كثيرا عن تعريف كانتيلون: “أيمحاولة يقوم بها : (فرد أو فريق أو منشأة) لبدء عملتجاري جديد (business) أو تأسيس منشأة جديدة(venture) مثل : العمل الحر (self-employment) أوتأسيسي منظمة تجارية (business organization) أو توسيع عمل قائم”، اذا كيف دخل الابداع في تعريف الريادة؟
يعد الاقتصادي الفرنسي نيكولوس بودو (1730-1792) أول من أقحم كلمة الابداع في تعريف الريادة حين اعتبر الريادي بأنه “الشخص الذي يخترع و يطبق تقنيات و أفكار جديدة لتقليل التكاليف ، و من ثم تعظيم الأرباح”، و يلاحظ أنه اقتصر مفهوم الابداع على تقليل التكاليف ، و لم يقصد به منتجات جديدة ، بل تحسين للعمليات لتقليل التكاليف ، و هذا يذكرني بوصايا الشيخ سليمان الراجحي المتكررة لرواد الأعمال بتقليل المصاريف دوما و أبدا!
و حين الحديث عن الابداع و الريادة فانه لا يمكن تجاوز الاقتصادي النمساوي شمبتير الذي عرف الرواد–رأيه الأول Mark1 عام 1911 – بأنهم “المبدعون الذين يكتشفون و يصنعون الفرص الاقتصادية سواء منتجات أو أسواق جديدة أو بتحويل أفكارهم الابداعية الى منتجات بالسوق” لكنه لاحقا –رأيه الثاني Mark2عام 1942- أصبح يرى أن الابداع مصدره شركات القطاع الخاص الكبيرة و ليس رواد الأعمال بمنشاتهم الصغيرة مما أسس لمبدأ ريادة الشركات (corporate entrepreneurship) و هو شكل اخر من أشكال الريادة يستحق مزيدا من التفصيل لاحقا.
أخيرا المقام لا يتسع لسرد اراء الباحثين ، و لا لمناقشة مزيد من تعاريف الريادة ، التي جمع منها الباحث موريس 77 تعريفا ، بينما وجد قارتنر 90 صفة للرياديين عند استعراضه لاراء مجموعة من السياسيين و الاكاديميين و رجال الاعمال. لكن السؤال الذي أتوقع أنه يشغل بال القارئ الكريم هو: ماذا نستفيد من معرفة تعريف للريادة أو الريادي؟ و الجواب ببساطة أن هذا التعريف سيحدد مصير الدعم المقدم لريادة الاعمالو الرواد من الجهات الداعمة سواء حكومية أو خاصة، فحين نقتصر الريادة على المشاريع الابداعية فقط فإن غالب المشاريع ستحرم من هذا الدعم ، و سننتظر طويلا المشاريع ذات الأفكار الابداعية التي لا نعلم كم سينجح منها، لذلك أرى أن تعريف المرصد العالمي لريادة الأعمال الذي ذكر سابقا هو الأنسب لنا في السعودية ، لكنني أدعو الى تخصيص دعم خاص لمشاريع الريادة الابداعية التي تمثل جزء مهما من ريادة الاعمال (innovative entrepreneurship) لكنها ليست كل ريادة الأعمال فلا نحجر واسعا !.
—-
*للأمانة العلمية أحاول ادخال الكلمات الانجليزية خوفا من المثل الايطالي (إن المترجم خائن).
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال