الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
abdulkhalig_ali@
abdu077@gmil.com
أكدت رؤية السعودية 2030 على أهمية المنشأت الصغيرة والمتوسطة في مستقبل الاقتصاد السعودي وتأكد ذلك الإهتمام من خلال القرارات التالية للرؤية، بدءا من إنشاء شركة قابضة متخصصة في إقراض المنشأت الصغيرة والمتوسطة ، ثم إنشاء صندوق الصناديق للإستثمار في الصناديق المتخصصة في الاستثمارات ذات المخاطرة العالية ومشروعات الملكية الخاصة ، ثم إنشاء هيئة المنشأت الصغيرة والمتوسطة وأخيرا تدشين برنامج تسعة أعشار المهتم بدعم المنشأت الصغيرة وريادة الأعمال ، وقبل ذلك أُنشأت حواضن لريادة الأعمال في بعض الجامعات السعودية ، وأقيمت من أجل ذلك كثير من المعارض الداعمة لرواد الأعمال وأصحاب المنشأت الصغيرة .
كل تلك الأحداث تدل على أن ربيع المنشآت الصغيرة والمتوسطة قادم، وأن تلك المشاريع سوف تكون قائدة الاقتصاد السعودي بعيدا عن سطوة النفط ، وأنها ستكون الموظف الأول في سوق العمل السعودي. لكن من يشاهد ما يحدث الأن يعتقد أن المملكة ليس بها سوى شركات عملاقة عابرة للقارات وأن المنشأت الصغيرة والمتوسطة لا وجود لها في الاقتصاد السعودي أو أنها محدودة العدد والنشاط ، في حين أن الباحث على عجل في حقيقة وضع الاقتصاد السعودي يكتشف أن 80٪ أو أكثر من المنشأت العاملة في السوق هي من فئة المنشأت الصغيرة والمتوسطة وأنها تستحوذ على أكثر من 60٪ من قيمة السوق ، وأنها المشغل الأول في سوق العمل السعودي . إذا لماذا كل هذا الإهتمام بهذه الفئة من المنشأت الأن ؟؟ ولما كل هذا السباق المحموم على دعمها بكل الوسائل ؟؟
من خلال ما أُعلن في كل القرارات والمبادرات والتدشينات السابقة ، الهدف الأول هو دعم الشباب السعودي لدخول سوق العمل من خلال مشاريعهم الخاصة التي يمتلكونها ويديرونها ويعملون فيها بأنفسهم . أي أن البطالة هي المحرك لكل ذلك العمل المحموم في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة . فهل تستطع تلك المبادرات حل مشكلة البطالة التي يعاني منها الشباب السعودي بدخولهم سوق العمل الحر من خلال المشاريع الصغيرة والمتوسطة ؟؟؟ وهل المنتجات والبرامج المقدمة من خلال تلك المبادرات قادرة على حلحلة عقدة البطالة فعلا ؟؟؟؟
بنظرة سريعة على تلك البرامج القديمة منها والحديثة وأخرها برنامج تسعة أعشار (الذي حرمتني الطائرة السودانية التي هبطت إضطراريا في مطار الباحة من حضوره) ، كلها تُركز في برامجها ومنتجاتها وحلولها على ثلاثة جوانب لدعم المنشأت الصغيرة والمتوسطة ، الأول جانب الإستشارات والدراسات ، وجانب التمويل والدعم المالي ، وأخيرا جانب التسويق والترويج . تلك الجوانب تمثل أهم وسائل الدعم للمنشأت الصغيرة في العالم كله ، لكنها برأيي ليست الأهم في الاقتصاد السعودي ، وأن أهم عائق للمنشأت الصغيرة والمتوسطة في الإقتصاد السعودي هي المنافسة غير العادلة مع المنشأت الصغيرة والمتوسطة التي تسيطر عليها العمالة الوافدة سيطرة كاملة تصل حد الإحتكار الكامل ، بل والإحتكار المنظم حسب الجنسيات والمناطق وطبيعة العمل .
للتأكد من الإدعاء السابق دعونا نلقي نظرة على طبيعة أهم القطاعات التي يمكن أن تعمل بها المنشأت الصغيرة والمتوسطة في السوق السعودي والعاملين فيها من السعوديين وغير السعوديين من خلال الإحصاءات الرسمية للعام 2015م .
قطاع الجملة والتجزئة وصيانة السيارات الذي يمثل أهم قطاع للمنشأت الصغيرة والمتوسطة يسيطر عليه غير السعوديين بنسبة 77٪ من إجمالي 1512941 عامل ، التشييد والبناء أكثر من 87٪ منه لغير السعوديين ، خدمات الإقامة والطعام 80٪ وأكثر من العاملين فيه من غير السعوديين ، علما بأن قطاع الطعام بالذات هو القطاع المحبب لرواد الأعمال السعوديين ، حتى الخدمات الإدارية التي يفضلها معظم السعوديين لا يمثلون فيه سوى أقل من 32٪ من إجمالي العاملين في هذا القطاع ويسيطر على النسبة الباقية منه غير السعوديين. والقطاعات الأخرى التي يغلب فيها السعوديون لأي سبب كان ، هي أولا محدودة التوظيف مثل العقار وثانيا الفروق بين السعوديين وغير السعوديين فيها بسيطة جدا لا تكاد تذكر .
من الإستعراض السابق يتضح أن مشكلة المنشأت الصغيرة والمتوسطة العاملة في السوق السعودية ليست مشكلة دراسات وأبحاث ولا تمويل ودعم مالي ولا مشكلة تسويق وترويج ، بل مشكلة منافسة غير عادلة مع العمالة الوافدة التي سيطرت على تلك المنشأت خلال عقود من غفلة الحكومة والمجتمع ، وأن الحل الأهم برأيي والدعم الأكبر للمنشأت الصغيرة والمتوسطة يكمن في إعادة هيكلة سوق العمل وتفكيك دوائر الإحتكارات التي تسيطر على مفاصله ، بعدها لن يكون لمعظم البرامج والمشاريع المقدمة أهمية كبيرة خصوصا في جانبي التسويق والدراسات .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال