الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
رئيس تنفيذي لشركة استثمارية – دبي
ahmad_khatib@
في سن مبكرة من حياته العسكرية، كانت فكرة أن القوات المسلحة عليها أن تعمل لمصلحة الطبقات الكادحة ضد الطبقات الحاكمة الفاسدة قد سيطرت على عقل الشاب هوغو القادم هو أيضا من الفقر والعوز. كان تشافيز قبل ذلك قد قرأ لماركس ولينين وماو بالإضافة إلى الرموز الثورية لأميركا اللاتينية جيفارا وسيمون بوليفار. أسس تشافيز خلية داخل الجيش سماها الجيش الثوري البوليفاري، تيمنا بأسطورته بوليفار. انتهت الحركة في مرحلتها الأولى بالانقلاب الفاشل الذي قامت به عام 1992 وتم سجن رموزها وعلى رأسهم تشافيز.
في تلك الفترة كان اقتصاد فنزويلا يتخبط صعودا وهبوطا في محاولة تشكيل صورته بعد سقوط الديكتاتورية. في فترة السبعينات ومع الارتفاع الكبير في أسعار النفط، كانت الأمور مستقرة والاقتصاد في نمو متواصل نظرا للصرف الحكومي الكبير في شتى المجالات. لكن ذلك ترافق مع تأميمات وخصوصا في قطاع النفط. ولم تكن السياسات الاقتصادية في تلك الأوقات تهدف الى حماية الاقتصاد بشكل كاف من تقلبات أسعار النفط فبدأ كل شيئ ينهار في الثمانينات مع تراجع أسعار النفط فانكمش الاقتصاد وارتفع التضخم الى مستويات قياسية وزادت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر. لم ينفع قلب السياسات بشكل كامل ومحاولة تحرير الاقتصاد واستمرت جميع المؤشرات الاقتصادية بالتراجع ووصل الوضع الى أدنى مستوياته في عام 1998 عندما وصل التضخم الى ما يقارب 100%.
كان تشافيز قد خرج من السجن وعاد الى بناء شعبيته في جميع مناطق البلاد مما جعله يكسب الانتخابات الرئاسية في 1999 واعدا الشعب بالقضاء على الفقر وتحسين الوضع الاقتصادي. في غضون عدة أشهر من استلامه موقعه الجديد على رأس الدولة كانت أسعار النفط قد عادت للارتفاع فتوفرت لتشافيز أموال لم يحلم بها لتطبيق سياساته التي تعتبر خليطا من الاشتراكية والشيوعية وغيرها من الأفكار الأخرى.
بدلا من محاولة تفعيل دور الأجهزة الحكومية على أسس مستدامة، انشغل تشافيز بإنشاء مشاريع شعبوية تضمن التأثير مباشرة على الفقراء والحصول على أصواتهم. أطلق تشافيز في أنحاء البلاد ما سماه “البعثات البوليفارية” وهي عبارة عن برامج متعددة في شتى المجالات مثل التعليم والصحة والإسكان والبيئة وغيرها. كانت تلك البرامج تحسن من الخدمات المقدمة للناس طالما كانت أسعار النفط مرتفعة وإمكانية الصرف بسخاء متاحة. وكان تشافيز يتحدث عنها باستمرار في برنامجه التلفزيوني الأسبوعي الذي كان يقدمه بنفسه لساعات طويلة يتحدث خلاله عن برامجه وأفكاره وطموحاته بالإضافة الى الانتقاد المتواصل للولايات المتحدة الأميركية ورأسماليتها ومحاولاتها السيطرة على إرادات الشعوب. لكنه لم يكن يذكر أن الولايات المتحدة كانت دائما تحتل المركز الأول بين الدول في حجم التبادل التجاري مع فنزويلا.
من ناحية أخرى لم ينسى تشافيز القطاع النفطي والعاملين فيه فعمل على ضمان ولاءهم لدرجة صرف عشرات الالاف من العاملين في شركة النفط العملاقة “بيتروليوس دي فنزويلا” وتعيين من يدينون بالولاء له. كما يروى أن وزير الطاقة في أحد لقاءاته مع عمال الشركة خيرهم بين تأييد تشافيز والصرف من العمل.
استمر تشافيز يصرف من أموال النفط وينتقد أميركا كل أسبوع إلى أن بدأت أزمة 2008 وما تبعها من انهيارات في أسعار النفط. انقلب الحال فورا وارتفع التضخم وانكشف ضعف بنية الاقتصاد الفنزويلي. لم تكن هناك أساسات في الفترة السابقة لأن الحكومة كانت تصرف فقط ولا تبني والمستثمرون يتجنبون الاستثمار في فنزويلا خوفا من مصادرة استثماراتهم. كل ما فعله تشافيز في تلك الفترة أنه كان يلقي خطبا يؤكد فيها ثقته بعودة الاقتصاد الى التعافي. كان وقتها قد انشغل بالعلاج من السرطان الذي أدى لوفاته في 2013.
في سنوات تشافيز الأخيرة وحتى مع الارتفاع في أسعار النفط بين عامي 2011 و 2013، استمر الاقتصاد الفنزويلي يعاني لأنه كان مترهلا ومديونا والتضخم في مستويات صعب السيطرة عليها. وبعد وفاته عادت أسعار النفط للانهيار مرة أخرى وبشكل أقوى من السابق فلم يصمد الاقتصاد الفنزويلي. ارتفعت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر الى أكثر من 70% وارتفع التضخم الى أكثر من 250% و يتوقع أن يصل إلى 700% في نهاية السنة. لم يعد الغذاء موجودا ولا الدواء متوفرا وأصبحت العاصمة كاراكاس مدينة أشباح ومجرمين.
ليست قصة تشافيز وتدمير اقتصاد فنزويلا غريبة فهي تشبه قصص تطبيق الاشتراكية واللعب على عواطف ومشاعر الشعوب وإطلاق الوعود الزائفة ثم إلقاء اللوم على القوى الكبرى. الفرق عند تشافيز أن حجم الأموال الذي توفر له كان هائلا لذلك كان الدمار هائلا أيضا.
ما يحدث في فنزويلا اليوم ليس لأنها دولة نفطية ولكن لأنها دولة حكمها تشافيز لفترة وتلاعب بعواطف شعبها.
وفي ظل ما تشهده فنزويلا حاليا هناك من يقارن بينها وبين دول نفطية أخرى وخصوصا الخليجية لكن هذه المقارنات في رأيي خاطئة والأسباب كثيرة. أولا في فترات الانخفاض السابقة لم تشهد اقتصادات الدول الخليجية التراجعات التي شهدتها فنزويلا مما يعني اختلاف البنية الاقتصادية.
ثانيا حافظت الدول الخليجية على توازن مقبول بين الصرف وبين تكوين الاحتياطيات مما مكنها من تجاوز التراجعات المرحلية للإيرادات النفطية. ثالثا وهو الأهم المحافظة على العملة الوطنية والدفاع عنها وبالتالي السيطرة على التضخم ومنع انفلاته. في أي مقارنات اقتصادية، يجب النظر الى الصورة كاملة وعدم القيام بمقارنات انتقائية بهدف إشاعة الذعر أو أي سبب آخر. الاقتصادات الخليجية ليست فنزويلا!
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال