الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي رسائل تهويل عن اقتصادنا وترد، فأرد على المرسل أحيانا بأنه ما كان يفترض فيه أن يرسل هذه السخافات والأباطيل، حتى لو صدرت ممن يدعي أنه أوتي علما. صحيح هناك ضعف في نمو الاقتصاد العالمي وفي نمو اقتصادنا الوطني، لكن تفسير ذلك بأنه يعني أن الاقتصاد متجه إلى انهيار فتضليل وإرجاف.
لنقرأ ما قاله صندوق النقد الدولي عن اقتصادنا، والصندوق أهم منظمة اقتصادية عالمية، ومن يعمل فيه نخبة من أفضل علماء الاقتصاد في العالم. نعم هم بشر يخطئون ويصيبون، لكنهم ليسوا سخفاء ولا مرجفين.
اختتم المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في 18 يوليو 2016 مشاورات المادة الرابعة مع السعودية. وللتوضيح، تنص المادة الرابعة من اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي على إجراء مناقشات ثنائية مع كل بلد من البلدان الأعضاء عادة مرة في السنة، تنتهي بأن يعد مختصو الصندوق تقريرا يشكل أساسا لمناقشات المجلس التنفيذي حول اقتصاد الدولة المعنية بالتقرير. والمجلس التنفيذي في مقام مجلس إدارة، لكنه متفرغ.
أهم ما جاء في تقرير الصندوق توقع تباطؤ إجمالي الناتج المحلي الحقيقي إلى 1.2 في المائة في عام 2016. والتباطؤ يعني معدل نقص حجم الاقتصاد. محبو نشر الشائعات وتخويف الناس هولوا من هذه النسبة وكأنها مثلا 30 في المائة. الخبر السار أنه متوقع أن يتعافى الاقتصاد بنمو في حدود اثنين في المائة العام القادم 2017، والسبب الأول في توقع هذا التعافي هو تخفيف الضغوط على المالية العامة، ثم يتوقع أن يستقر عند نحو 2.5 في المائة على المدى المتوسط.
ورغم انخفاض الودائع المصرفية، فإن الصندوق يرى أن أوضاع الائتمان المقدم للقطاع الخاص ما زال قويا. فالاحتياطيات الرأسمالية مرتفعة، والقروض المتعثرة منخفضة، والمصارف ترصد مخصصات جيدة لمواجهة خسائر القروض. هذه النقطة ضربة لمحبي إثارة الفتن أو نشر الشائعات. ارتفع سعر الفائدة ارتفاعا معتدلا بين المصارف السعودية (سايبور) في الشهور الأخيرة، وأحد أهم الأسباب انخفاض نسبي في السيولة. ومن يسميه شح أقول له يفهم الناس كلمة شح على أنها انخفاض شديد، وهذا لم يحدث. توقعات الصندوق أن سياسات الحكومة سواء في زيادة الإيرادات غير النفطية أو خفض الإنفاق الحكومي ستؤدي إلى خفض العجز بحيث يصبح تقريبا 13 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.
ماذا بشأن الحساب الجاري؟ الذي يمكن أن نعرفه بلغة مبسطة فيها تساهل بأنه الفرق بين قيمة الصادرات وقيمة الواردات. وإذا زادت الثانية على الأولى فهذا يعني وجود عجز في الحساب الجاري، أي أنه مدين. وبالنسبة للدول المصدرة للنفط، فإن انخفاض أسعار النفط يعني تلقائيا انخفاض قيمة الصادرات. يتوقع الصندوق أن ينخفض عجز الحساب الجاري إلى 6.4 في المائة (تعتبر نسبة بسيطة بالمعايير العالمية) من إجمالي الناتج المحلي في 2016 ثم يقترب من التوازن بحلول عام 2021 لأسباب كثيرة كتعافي أسعار النفط.
بصفة عامة، يؤيد الصندوق سياسات الحكومة السعودية في مواجهة انهيار أي الانخفاض الكبير في أسعار النفط. وكما هو معروف أن الحكومة أجرت تحولات جوهرية في سياساتها لمواجهة انخفاض أسعار النفط. وعلى رأس هذه التحولات إقرار “رؤية السعودية 2030”. وأسس هذه الرؤية ثلاثة: تنويع الاقتصاد وتوفير فرص عمل للمواطنين، وخفض اعتماد مالية الدولة على إيرادات النفط. ويتوقع أن تتوازن الميزانية في غضون خمس سنوات.
ماذا كان تقييم المجلس التنفيذي للصندوق؟
النفطة الأولى أن المجلس التنفيذي يدرك ما تواجهه المملكة العربية السعودية من تحديات كبيرة بسبب هبوط أسعار النفط. وتبعا، رحب المجلس بتحرك السلطات لمواجهة هذه التحديات، ما قلل كثيرا من تبعات انخفاض أسعار النفط.
النقطة الثانية في اهتمام المجلس هو تأكيده الحاجة إلى استمرار التصحيح والإصلاح في المالية العامة لإكساب الاقتصاد السعودي مزيدا من القوة وتحقيق التحول المنشود فيه.
النقطة الثالثة أن المجلس رحب بأهداف الإصلاح الطموحة التي أعلنتها السلطات في “رؤية 2030” وبرنامج التحول الوطني. لكن من المهم جدا أن أشير إلى أن المجلس شدد على أهمية الوضوح في تحديد أولويات الإصلاحات وتسلسل خطواتها، لتقليل المخاطر، وإتاحة الوقت الكافي للتكيف معها.
النقطة الرابعة وهي زيادة تفصيل للنقاط السابقة أن المجلس يؤيد خطة الحكومة نحو زيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد، عبر عدة سياسات كالخصخصة والشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتحسين بيئة الأعمال، وتطوير أسواق رأس المال المحلية، وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
النقطة الخامسة حث المجلس الحكومة السعودية على زيادة اهتماماتها بتحسين سوق العمل والنظام التعليمي، والتدريب المهني وزيادة مشاركة السعوديات في القوى العاملة.
النقطة السادسة أن المجلس أكد أهمية ضبط أوضاع المالية العامة وإجراءات التصحيح المالي ولكن في إطار عملية تدريجية كبيرة ومستمرة. ويبدو أن المجلس مقتنع بوجه عام على ملاءمة هدف تحقيق موازنة متوازنة في المدى المتوسط. وفي هذا الشأن يشجع المجلس الحكومة السعودية ما بدأته من إصلاحات في النفقات والإيرادات، بما في ذلك استمرار التعديل التدريجي لأسعار الطاقة مع تعويض الأسر محدودة الدخل، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة والضرائب الانتقائية على السلع، واحتواء فاتورة الأجور الحكومية، وتحسين إدارة الاستثمار العام، ورفع كفاءة الإنفاق. وأوصى المديرون بأن تصاحب هذه الإجراءات إصلاحات هيكلية داعمة للنمو.
هناك تفاصيل أخرى متعلقة بالمالية العامة، وأذكرها كعناوين: إدراج صندوق الاستثمارات العامة وشركة أرامكو في الموازنة بصورة أفضل – اعتماد منهج متكامل لإدارة الأصول والخصوم من أجل تمويل عجز المالية العامة. يرى الصندوق ومجلسه التنفيذي أن الإصلاحات ساعدت على تقوية النظام المالي، وأن القطاع المصرفي في وضع موات يمكنه من تجاوز انخفاض أسعار النفط وتباطؤ النمو. ومع ذلك يوصي المجلس بأن على مؤسسة النقد عمل المزيد لتسوية الأوضاع المصرفية وتوفير السيولة وإدارتها. والقناعة قائمة بفهم وكفاءة قيادة المؤسسة بالمطلوب منها.
يوافق المجلس على أن نظام ربط سعر الصرف بالدولار الأمريكي هو الخيار الأفضل للمملكة. لكن ذلك لا يمنع من إجراء مراجعة دورية لنظام سعر الصرف المربوط بالدولار لضمان استمرارية ملاءمته في ضوء التطور المنشود في الاقتصاد بعيدا عن اعتماده الحالي على النفط.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال