3666 144 055
[email protected]
فنزويلا، إحدى دول أمريكا الجنوبية أو اللاتينية، كانت في عام 1970 من أكبر منتجي البترول في العالم. وقد صل إنتاجها آنذاك ما يتجاوز ثلاثة ملايين ونصف برميل يوميا، وكانت أكبر مصدر للبترول. واليوم لا يزيد إنتاجها على مليونين، وفي طور انخفاض سنوي كبير. تم اكتشاف البترول في فنزويلا مبكرا، في عام 1914 وبدأ التصدير عام 1918. والإعلام يصنف فنزويلا في الوقت الحاضر كمالك لأكبر احتياطي بترولي، بزعم أنه يفوق ما تملكه السعودية. ومع ذلك فحالها اليوم ووضعها الاقتصادي يكاد يدعو إلى الشفقة. فكيف يجتمع النقيضان؟ لا بد من العودة إلى الثمانينيات، وبالتحديد إلى عام 1984، حيث كان الاحتياطي البترولي في فنزويلا من نوع التقليدي لا يتعدى 28 مليار برميل.
وفي السنة التالية بدأت سلسلة من رفع حجم الاحتياطي، في ما يظهر أنه عشوائي، حتى بلغ 297 مليار برميل في عام 2010، ومعظم الإضافات كانت من البترول الثقيل الذي هو محسوب على غير التقليدي. وهذا النوع من البترول عالي الكثافة وإنتاجه يحتاج إلى عمليات خاصة ومكلفة، إحداها ضرورة خلطه مع كميات من البترول الخفيف، عالي الثمن، الذي لا يتوافر في فنزويلا، ولا يزال إنتاجه غير اقتصادي، بل لم يكن كذلك حتى عندما كان سعر البرميل في حدود 100 دولار.
ومن الواضح أن حكومة فنزويلا، عندما أضافت ما يزيد على 250 مليار برميل من غير التقليدي إلى الاحتياطي التقليدي كانت تهدف إلى جلب الأنظار نحو صناعتها البترولية، التي كانت ولا تزال تعاني انخفاضا كبيرا في الإنتاج، بلغ 10 في المائة سنويا. وربما أنها كانت تأمل في الحصول على قروض ميسرة تتناسب مع ضخامة الاحتياطي البترولي. ولعله من نافلة القول أن نذكر أن فنزويلا كانت قد أممت صناعتها البترولية في منتصف السبعينيات ولم تنجح نجاحا كبيرا في إدارتها. والشاهد هنا أن فنزويلا، بما لديها من الثروات البترولية والإنتاج المبكر الكبير خلال العقود الماضية، حري بها أن تكون اليوم في مقدمة الدول المتقدمة صناعيا واجتماعيا. ولكن حاضرها ليس كما ينبغي له أن يكون. فهي تعاني خطر انهيار اقتصادي مخيف قد يتسبب في عواقب اجتماعية لا نتمناها للصديق، والسبب، كما يظهر للمراقب، سوء إدارة البلاد خلال الـ40 عاما التي مضت، وربما تفشي الفساد الذي إذا بدأ ينخر في المجتمع أفسد الخطط ودمر المشاريع وأوقف التنمية. ولعل الظروف الاجتماعية التي مرت بتلك البلاد خلال فترات من الزمن تعطي فكرة بسيطة عن عدم تقدم المجتمع الفنزويلي، أسوة بشعوب هم أقل ثروة منهم. فقد ابتلي الشعب الفنزويلي بما يسمى “المرض الهولندي”، لأول مرة في عام 1950، ومرة ثانية عام 1980 وثالثة عام 2000. والسبب هو دخل البترول الذي كان يؤثر سلبا في نمو الإنتاج الصناعي. ولا غرو، فأسعار الوقود في البلاد لا تزال هي الأدنى بين دول العالم، وهو قد يعني امتدادا لرفاهية على وشك الزوال.
ويظهر أنه في كل مرة كان يحاول فيها الشعب الفنزويلي أن يتعافى بعد الإصابة بهذا المرض، يعود بعد فترة إلى سابق عهده. والمرض الهولندي، لمن لا يعرفونه، هو إصابة المجتمع بالخمول والركون إلى الراحة وعدم الإنتاجية عندما يتوافر لديهم دخل رخيص دون تعب ولا نصب. وقد عرف بالهولندي لأنه بدأ في هولندا بعد اكتشاف كميات كبيرة من الغاز في البلاد. ولكن سبات شعب هولندا، من حسن حظهم، لم يدم طويلا. وكاد هذا المرض أن يشل نشاط النرويجيين بعد اكتشاف البترول، ولكنهم أيضا استدركوا أمرهم وواصلوا تقدمهم حتى أصبحوا اليوم من أرقى بلاد العالم ومن أفضلها إدارة لشؤون بلادهم. إن حال فنزويلا، وهي مثل دول الخليج دولة بترولية، وما مرت به من منعطفات وانعكاسات وانتكاسات جدير بأن يكون درسا لنا، نتعلم منه العبر.
كان المرض الهولندي، بالنسبة للدول التي ذكرناها آنفا، مجرد وعكة صحية بسيطة زالت مع تحرك الوعي الاجتماعي. أما في وضعنا الحالي، نحن دول الخليج، فقد عثا بنا هذا الداء المزمن وتمكن منا إلى درجة يصعب التخلص من آثاره إلا برحمة من الله. ولا لنا أمل إلا بالله ثم رؤية 2030، التي قد توقظنا وتنقذنا مما نحن فيه من سبات عميق قبل أن ينتهي البترول. فنحن لا نزال في منتصف الطريق، وباقي من ثروتنا النصف، وهو ما يمكننا من استدراك ما فات واللحاق بمن سبقونا إلى التصنيع والإنتاج. وهذه من أهم أهدافنا، وهو دون شك طريق طويل وشاق، إذ يتطلب الأمر أن نتعلم كيف ننتج سلعا بجهدنا وتصديرها لمنافسة أمم قد سبقتنا بزمن طويل، لنحصل على مردود إيجابي يمثل دخلا ولو متواضعا حتى لا نظل نعتمد كليا على البترول الناضب. ومن المؤكد أن وضع بلد مثل فنزويلا، بما لديها من إمكانات محلية لا تتوافر لنا، يجعل مهمتنا أكثر صعوبة لاعتماد دول الخليج إلى حد كبير على الأيدي الأجنبية التي مهمتها الرئيسية امتصاص ما لدينا من أموال البترول ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. ونحن لا نشعر بذلك ولن ننتبه له حتى توقظنا الحاجة.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734