الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
رئيس تنفيذي لشركة استثمارية – دبي
ahmad_khatib@
في أي اقتصاد يعتمد النمو والتطور بشكل كبير على قدرة العامل البشري على الابتكار ومن ثم تنفيذ وإدارة الأفكار الخلاقة. لو عدنا إلى أي قصص اقتصادية ناجحة في التاريخ لوجدنا العامل البشري خلفها بشكل كبير. في قصص النمور الاسيوية الأربعة على سبيل المثال الكثير من النجاحات التي عمل على صنعها أشخاص تمكنوا من وضع خطط مبتكرة طويلة المدى ثم قاموا بالتنفيذ بشكل يحفز الجميع على المشاركة في التنمية.
كوريا الجنوبية التي كانت ترزح تحت ضغط اقتصادي كبير ونسب مرتفعة من الفقر وما يتبعه من هجرة الأيدي العاملة بحثا عن لقمة العيش، شهدت انتقالا وتحولا من النقيض إلى النقيض. من دولة فقيرة تستلم المساعدات من الدول الأخرى إلى عملاق اقتصادي من الأكبر في العالم. من بيئة تصدر الأيدي العاملة للدول الأغنى إلى اقتصاد جاذب للاستثمارات والأموال الأجنبية بشكل ضخم. التحول هناك حصل على مراحل ولكن العامل الحاسم كان وضع الخطط ودقة تنفيذها في شتى المجالات. عرف الكوريون مبكرا أنه يجب عليهم الاعتماد على ميزة تنافسية موجودة لديهم قبل الانتقال الى مراحل أخرى. في ظل بطالة مرتفعة جدا ونسبة فقر من الأعلى في العالم، كان بديهيا استغلال الأيدي العاملة في مشاريع صناعية تجذب الاستثمارات الخارجية بسبب التكلفة المنخفضة. دعمت الحكومة الشركات العائلية الكبرى لتكون شريكا في مشاريع التنمية وبدأ الاستثمار في التدريب والتعليم المهني لتلبية حاجات الصناعة. هذه كانت فقط البداية وبعد ذلك عرفت التجربة الكورية باسم “معجزة على نهر هان”. ولحسن حظ الكوريين وقتها أن وسائل التواصل الاجتماعي لم تكن موجودة فتمكنت كوريا من العمل بعيدا عن ضجيج الاقتصاد الشعبوي الذي ينتقد كل شيء طوال الوقت بدون أي أساس.
لو كانت وسائل التواصل موجودة وصرح مسؤول كوري في الستينات أن الناتج المحلي سينمو من 2.5 مليار دولار إلى ما يزيد عن 1.3 ترليون دولار خلال 50 سنة بدون موارد طبيعية لتصدى له جيش من المغردين “الاقتصاديين” بأشنع الأوصاف وجاؤوا بأمثلة من دول أخرى يجب تقليدها بالإضافة إلى حث الناس على عدم تصديق الوعود وبالتالي عدم العمل و قتل الانتاجية.
اعتمدت كوريا في الأساس، ومثلها عدة دول أخرى، لإحداث نقلة اقتصادية كبيرة على العامل البشري. في البداية عن طريق التركيز على خلق ميزة تنافسية في التكلفة وتأسيس الصناعات الكبرى عبر الاستعانة بخبرات أجنبية وتدريجيا أصبح بإمكان الكوريين الاعتماد على أنفسهم في كل شي تقريبا.
في بداية السبعينات قررت شركة هيونداي، وهي إحدى الشركات العائلية الكبرى في كوريا، صناعة سيارة كورية. استعانت الشركة بخمسة مهندسين بريطانيين اهتم كل منهم بجهة معينة في خط الإنتاج. صنعت أول سيارة عام 1975 وخلال 10 سنوات كانت السيارة الكورية تباع في الولايات المتحدة ومعظم دول العالم. من يتحدث عن هيونداي اليوم لا يذكر المهندسين الأجانب بل يتكلم عن عملاق كوري في صناعة السيارات يحتل المركز الرابع في العالم بين المصنعين الكبار.
انخرطت كل الموارد البشرية الكورية في العمل واضعة نصب أعينها هدف واحد فتحقق النجاح. قرر الكوريون الخروج من واقعهم السابق فركزوا على العمل فقط فصنعوا معجزة. ما كان ذلك ممكنا لو لم يؤمنوا بقدرتهم ويثقوا بالخطط الموضوعة. يوجد أمثلة أخرى كثيرة لخطط تم إعلانها لكن لم يؤمن الشعب بقدرته فبقيت حبرا على ورق.
بكل تأكيد ليس المقصود تقليد كوريا في الصناعة أو نسخ خططها الاقتصادية إنما المقارنة وأخذ الدروس تكون صحيحة لأي اقتصاد يريد صنع معجزة بأن يثق بقدراته وينخرط في العمل بكل قوة باتجاه هدف واحد. تشتت الأهداف والتشكيك بإمكانية تحقيقها هو العدو الوحيد لأي خطط اقتصادية تنوي الانتقال من حالة إلى أخرى.
من يؤمن بقدراته ويعمل بتركيز سيحقق المعجزات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال