الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
Rebdis@
كان لي مقال سابق فيه نقد لبعض المبادرات المترافقة لبرنامج التحول الوطني واعتقد انه كان من أوائل المقالات التي انتقدت ونبهت لكثير مما يطرح اليوم في الساحة لكن أرى انها لابد من زيادة الايضاح وربطها بما يحصل في سوق الأسهم.
الاقتصاد السعودي الحاضر والمستقبل:
الاقتصاد يحكمه بشكل أساسي عدة لاعبين من اهمهم الحكومات بسياساتها المالية والنقدية والاستثمارية، القطاع الخاص ممثلا بالشركات والمستثمرين وأخيرا المستهلكين. طوال السنين الماضية مارس الاعب الأكبر في السعودية وهي الحكومة سياسة تشجيعية تتمثل بالدعم عبر تخفيض تكاليف الطاقة والوقود وتكاليف الخدمات الحكومية ودعم السلع والجمارك وغيرها الكثير المتوفرة للمستثمرين والمستهلكين، والعمل في بيئة خالية من الضرائب، والتي سوف تتغير بشكل كبير وسريع (رغم التدرج في التطبيق) قياسا بطول الفترة السابقة.
بحكم حجم مشاركة الحكومة في الاقتصاد كانت هي المصدر الرئيسي لقوة العملة وتماسكها بسبب بيع النفط بالدولار مما وفر كميات كبيرة من السيولة في وقت ارتفاع النفط لضخها بمشاريع عملاقة ومن ثم دخولها في الاقتصاد والنظام البنكي وتجنيب الوفرة منها في الاحتياطيات، وكسياسة ماليه في ذلك الوقت، تم العمل على الانفاق الحكومي الضخم وتحسين دخل الموظفين الحكوميين في وقت واحد وبزمن قصير لخلق نمو للاقتصاد.
اليوم، وبعد هبوط النفط بما يزيد عن 50% كمتوسط هبطت إيرادات الدولة وقل ما يدخل لها من دولار بشكل سريع جدا مما خلق عجز في الميزانية، وكنتيجة عملت الحكومة لتعديل ضخم وعميق في سياستها المالية والاستثمارية عن طريق تنويع مصادر الدخل ليكون من مصدرين، الأول من الداخل عن طريق رفع الدعم المتدرج وفرض ضرائب دخل وقيمة مضافة وزيادة رسوم الخدمات الحكومية، الثاني من الخارج عن طريق تغيير طريقة استثمارات الدولة خارجيا الشديدة التحفظ باستثمارات أكثر خطورة وأكثر تنوعا لمحاولة رفع العوائد منها.
ومن ناحية اخرى تهدف الحكومة لرفع كفاءة الجهاز الحكومي وتقليل التكاليف ومن أهمها تخفيض بند الأجور عن طريق تقليل عدد الموظفين كما هو معلن في مستهدفات الخدمة المدنية انخفاض نفقات الرواتب 20% في 2020 والذي سوف يتم بطريقتين، الاولى عن طريق إيقاف التوظيف ما عدا ما هو ضروري، والثاني عن طريق خصخصة بعض القطاعات والتي بمجرد ما ينتقل الموظفين فيها الي الشركة الجديدة (وبالتالي لا يعدون ضمن موظفي الخدمة المدنية) سوف يعاد هيكلتها (الشركات الجديدة) مما يعني (توقع شخصي) تسريح الفائض من الموظفين كإجراء لزيادة الكفاءة حسب معايير القطاع الخاص.
ما يهمنا هنا هو تأثير هذا التغير على الاقتصاد الداخلي وهو كما يلي:
1- رفع الدعم وزيادة الرسوم بشكل كبير وفرض الضرائب سوف تعمل على تآكل هوامش ربحية الشركات، واضعاف عمليات التوسع لديها، ولمواجهة هذه التكاليف سوف تعمل الشركات لإعادة دراسة تكاليفها وبحث السبل لرفع كفاءتها والمحافظة على هوامشها قدر الإمكان وقد تلجأ كحل لتخفيض التوظيف أو في حالات اسوء للتسريح وتقليل بند الأجور لديها. وإذا لم تنجح وهو المحتمل لكثير من الشركات والتي تعاني من ضعف في الفكر الاستراتيجي والإداري والمالي فسوف تفلس وتخرج من السوق ليتبقى الأقوى والاجدر كفاءه.
2- تقليل الدولة من بند الأجور سوف يقلل الدخل لشريحة موظفي الدولة من ذوي الدخل المحدود، ومن جهة اخري زيادة الرسوم ورفع الدعم والضرائب سوف تخفض وبشكل ضخم من قدرة الانفاق لديهم وهو ما سوف ينعكس مرة اخري على الشركات عن طريق انخفاض المبيعات وبالتالي يشكل ضغط عليهم مع زيادة التكاليف مع استبعاد إمكانية نقل هذه التكاليف للمستهلك.
القطاع المصرفي:
بالإضافة لكل ما تم ذكره في الأعلى من تأثير تغيير سياسة الحكومة، يضاف لها تأثر القطاع المصرفي بما يحدث، يستمد القطاع البنكي قوته من القوانين المنظمة له ومن حجم السيولة وحركة الاقتصاد بشكل عام، فمع انخفاض مداخيل الدولة من النفط والدولار كما ذكرنا وبالتالي انخفاض انفاقها على المشاريع أو كما حدث عدم صرف مستحقات المقاولين، فقد عانى القطاع البنكي من قلة تدفق السيولة لديه، ومما زاد الوضع تعقيدا، استدانة الدولة منها ليتم تغطية العجز والذي يشكل الصرف على الأجور النسبة الأكبر من بين البنود الأخرى.
وبسبب طبيعة البلد الاستهلاكية والتي تستورد اغلب ما تستهلك، فسوف يخرج جزء كبير من السيولة خارج البلد، وهو ما يفسر الانخفاضات المتتالية في السيولة في القطاع البنكي، حيث انخفضت الودائع تحت الطلب بمعدل 9.7% خلال الاثني عشرا شهرا الماضية وبمعدل 0.1% من بداية السنة. اما المعروض النقدي الاشمل فقد انخفض 2.6% خلال 12 شهر الماضية وانخفض 1% من بداية السنة، انخفاض السيولة يؤدي الي تنافس البنوك للحصول على السيولة وهو ما أدى الي ارتفاع تكلفة الإقراض فيما بينها وهو ما يطلق عليه (السايبور) وهو ما يؤدي بدوره لرفع تكلفة الإقراض على الشركات والافراد والذي بدوره عامل ضغط اخر (بجانب القائمة السابقة من الضغوط) على هوامش ربحية الشركات.
ولعل ما حدث من تدخل من قبل ساما لضخ سيولة في القطاع المصرفي في الربع الثاني والربع الثالث، يعبر عن كمية التحديات التي يواجها القطاع لينمو ويقرض من جديد، حيث ان انخفاض السيولة يقلل من القروض المتاحة للشركات. يكفي نظرة الي موجودات القطاع المصرفي والتي تكشف عن انخفاض الموجودات بمقدار 5% عن السنة الماضية و3% عن بداية السنة كما هو منشور في نشرة مؤسسة النقد لشهر يوليو، لكن يظل القطاع متين بحكم سياسة ساما القوية والصارمة والتي جعلته الأكثر امنا واستقرار في العالم.
الخلاصة:
لذلك التحول الاقتصادي الذي نعيش بداياته اليوم والذي سوف تظهر بداية نتائجه في حدود 2020 له تأثير عميق جدا وجوهري في الاقتصاد وبالتالي سوق الأسهم من خلال هوامش ربحية الشركات وتحديد اللاعبين في القطاعات، وتغير قواعد اللعبة في كل قطاع تأثر بشكل مباشر او غير مباشر مما يحصل لدرجة لم يستوعبه الكثير من المحللين والمستثمرين، ولذلك أصبحت الحيرة حيال ما يحدث ومحاولة تفسير هشاشة سوق الأسهم غير دقيقة والذي يعاني من مستقبل غير واضح للكثير من الشركات، وزيادة على ذلك، يعاني من قلة السيولة والتي استمرت بالخروج من السوق من أول سنة 2016 ولم تعد له، وسوف يستمر بهذه الحالة أو قد يسوء أكثر خلال سنتين من الان في اسوء سيناريو له، وافضل سيناريو ان يستمر بالاتجاه العرضي بدون حركة قوية وانما ارتفاعات وانخفاضات بسيطة.
نحن نمر الان بمرحلة هبوط في الاقتصاد بشكل عام ولم نصل الي القاع حتىالان (قد نصل اليه خلال السنتين القادمتين)، ولكن لابد ان نستعد لارتفاع البطالة خلال السنتين القادمتين وافلاس (الغير كفئ) من الشركات والمؤسسات، وهذه المرحلة (مع انها قاسية بكل المقاييس على الجميع) جزء طبيعي من دورات الاقتصاد حتى في الدول المتقدمة حيث تزيد البطالة وتنخفض حسب الدورات الاقتصادية، لكن اذا طبقت الرؤية والبرنامج بشكل سليم ونجحنا في استقطاب الاستثمارات ومع تحسن (بسيط) للنفط فسوف يعود الاقتصاد للنمو من جديد ونشهد مرحلة جديدة ومختلفة عن كل ما سبق من دوراتنا الاقتصادية، حيث الاقتصاد والتوظيف يقوم على القطاع الخاص كبديل عن الحكومة، وحسب توقعي الشخصي اننا لن نشهد هذه المرحلة الابعد وصولنا للقاع ثم تبدأ الدورة الجديدة للنمو بحلول 2020 بإذن الله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال