الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ال سبحانه “وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلوني يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون”. ملخص تعبير النبي يوسف عليه السلام للرؤيا بلغة اقتصادية أن القطاع الزراعي (عماد اقتصاد مصر آنذاك) تحل به طفرة انتاج سبع سنين متتالية، وبعدها تأتي سبع سنوات يطيح فيها الانتاج. ونصيحة يوسف لملك مصر لمواجهة هذا الوضع أن عليهم حسن التخطيط، وعموده الإدخار خلال سنوات الطفرة. عليهم أن يستهلكوا جزءا يسيرا من انتاجهم “إلا قليلا مما تأكلون”، وبالتعبير المعاصر، عليهم الاقتصاد الشديد في الاستهلاك وقت الطفرة، بأن يدخروا معظم الانتاج لوقت الضيق، رغم أن ما ينفقونه ليس على كماليات. ولاحظوا أنه لم يخصص طلب الإدخار بفئة بعينها، بل هو مطلب عام. ما رد فعل الناس المتوقع على نصيحة يوسف؟ من المتوقع، وكما نراه في سلوك معظم الناس وفي مختلف المجتمعات وعبر السنين، ألا يقتنع معظمهم بخطة يوسف، وخاصة مع الظروف المحيطة بها. ستنتشر الشائعات والقيل والقال. وهنا أمثلة لأسئلة وردود فعل الناس. سيقول الناس من يوسف هذا؟ كيف يطلب نعيش كذا مع أن الخير كثير؟ ما عنده سالفة، وكيف يسمع الملك نصيحته؟ وسيقول بعض الناس خلونا ننبسط هالوقت ويحلها ربنا وقتها. آخرون سيبادرون إلى الطعن في أهلية وذمة يوسف وفي خطته، وأن المزارع البسيط هو من يدفع الثمن، لأنه سيجبر على أن يستهلك جزءا بسيطا من انتاجه، وهو لا يعرف أو يشكك فيمن سيأكل أو يستفيد من الباقي المدخر. سيقال أن أسعار الطعام سترتفع لقلة المعروض للبيع، وأن المواطنين العاديين هم أكثر من يتضرر، وأن المفروض أن يؤخذ من الأغنياء كبار المنتجين. لا ننسى أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح متفق عليه. مرت على بلادنا ظروف لا أقول مطابقة ولكنها تشبه بعض الشبة ما سبق. مرت بنا أكثر من دورة طفرة وعكسها، لكننا أسأنا التصرف، رغم أن الظروف في مصر آنذاك ووفق الرؤيا وتفسيرها كانت أشد قسوة كثيرا مما مر ويمر بنا من ظروف. لنرجع إلى آخر طفرة بدأت أواسط العقد الماضي بارتفاع أسعار النفط ارتفاعات عالية متسارعة يعرفها الجميع. السؤال الجوهري لو طبقنا قريبا من نصيحة يوسف، فماذا كان يفترض بنا أن كنا فاعلين؟. بالنسبة للدولة، كان ينبغي ومن حيث المتوسط العام انفاق ما لا يزيد على نصف ايرادات النفط، وادخار الباقي. وقد نصح صندوق النقد الدولي، وغيره من مستشارين داخل وخارج الحكومة، بذلك أو قريبا منه قبل أكثر من عشر سنوات. وكتبت وقتها مقالا أوهام عن مالية الحكومة، نشر في احدى صحفنا بتاريخ 6/12/2007. وجر علي هجوم كثيرين، وليتني أعرف رأيهم الآن، بعد أن رأوا بأعينهم اللي صار. كان ينبغي ادخار قرابة نصف ايرادات النفط، ولكن الذي حصل العكس. زاد الانفاق الحكومي بقوة خلال سنوات الطفرة من قرابة 285 مليار عام 2004 إلى 1100 مليار تقريبا عام 2014، وكان يفترض أن يبلغ قرابة 700 مليار ريال لو ادخرنا نصف إيرادات النفط تقريبا. ادخار قرابة نصف ايرادات النفط له سلبيات وله ايجابيات، ولكن الايجابيات تطغى كثيرا على السلبيات خاصة على المدى البعيد. وهنا أذكر ماأراها أهم الإيجابيات 1- عجز الميزانية والسحب من الاحتياطي واقتراض الحكومة وفرض الرسوم ستكون كلها أقل بوضوح مما نرى الآن 2- نسب التضخم أقل لأن اجور موظفي الحكومة والانفاق الحكومي بصفة عامة سيكون أقل. 3- مشكلات السعودة وتوظيف غير السعوديين ستكون أقل كثيرا مما حصل. 4- ستتوفر أموال لصناديق الاقراض الحكومية، لمنح الناس قروضا بلا طوابير انتظار، طبعا دون إهمال لجودة ضوابط وسياسات الاقراض 5- جودة الانفاق الحكومي ستكون أعلى 6- اقتصاد أكثر قوة ولياقة وأقل اعتمادا على النفط. ما أهم أسباب زيادة الانفاق الحكومي خلال الطفرة بحدة؟ أراها في أربعة عوامل. الأول شلل الانفاق على المشاريع خلال أعوام انخفاض أو انهيار أسعار النفط 1986 – 2003. والثاني الفساد. والثالث تزايد بند أجور موظفي الحكومة من رواتب وخلافها من قرابة 130 مليار عام 2005 إلى قرابة 400 مليار العام الماضي. والرابع تدني أو ضعف مهني في الجهاز الحكومي، أي قل دبرة مهنية بلغتنا الشعبية. الخلاصة أن مبادئ الإدخار والاقتصاد مع نصيحة يوسف عليه السلام، ولكن أكثرية الناس لا تحبها، وليس بشرط أن الأكثرية على صواب.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال