الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
للاقتصاد تأثير عميق في العادات الاجتماعية. فهو أحد العلوم الإنسانية التي تسعى لفهم ردود أفعال مجتمع أو وسائل إنتاج محددة لمتغيرات السوق وتطوراته. وكما هي العلوم الإنسانية، فإنها شديدة التشابك حيث تؤثر في مجموعها في تشكيل اتجاه وهوية المجتمع والأسرة والوطن. رغم ذلك فيمكن دراسة كثير من حالات التطور الاقتصادي تحت نطاق مبدأ السببية لتفسير كثير من التغيرات الحاصلة في سلوكيات المجتمع ككل. وبالنظر إلى الاقتصاد والمجتمع السعودي، فهو يعيش “رتما” سريع التغير والتطور منذ بداية الطفرة النفطية الأولى في منتصف السبعينيات.
خلال تلك الحقبة حصلت للاقتصاد السعودي نقلة نوعية حملته من كونه اقتصادا صغيرا معتمدا على نفسه في تحديث نفسه، لينفتح مصراعا الاقتصاد على العالم لينمو بشكل يفوق قدرة القوة العاملة. توسعت أعمال التجارة والمقاولات وتم تأسيس قاعدة صناعية بتروكيماوية كبيرة. فنتج عن ذلك توجه الدولة نحو التوظيف وتعزيز البيروقراطية لتتمكن من تسيير عجلة تحديث البلاد برعايتها، عن طريق الوظيفة الحكومية، فصارت الموظف الأول. وتم إيكال الأعمال البسيطة إلى وافدين أجانب، ومع تسارع نمو الاقتصاد، ازداد الاعتماد على هذه العمالة. وعمل دخل النفط على تعزيز رخص هذه العمالة لتصبح جزءا لا يتجزأ من الاقتصاد، حتى خلال مراحل الركود في بداية الثمانينيات وطوال التسعينيات. فقد كانت العمالة الرخيصة الحل السحري لتعظيم الإنتاجية والأرباح، حتى سيطرت هذه العمالة على السوق والوظائف.
اليوم يمر الاقتصاد السعودي بمرحلة صدمة جديدة تحول من مساره بشكل شديد، قد يكون تحول اليوم أكثر جذرية من نقلة الطفرة النفطية الأولى. فعلى الرغم من لجوء الحكومة إلى إجراءات تقشفية خلال فترات الركود سابقا، إلا أن أيا منها لم يكن بحجم ما يحصل اليوم. ما يدل على أن الأمر يتعدى التقشف إلى تصحيح وإعادة هيكلة الاقتصاد، ليمرر التغير إلى كثير من العادات والسلوكيات الاجتماعية السلبية. أولى ثمرات هذه الصدمة جاءت في انخفاض استهلاك السعودية النفطي في موسم الصيف الذي نتج بشكل مباشر عن رفع تعرفة الكهرباء والوقود، بشكل يعزز الرشد الاقتصادي. وكذلك فإن تعزيز مبدأ الشفافية في الأعمال قد بدأ مع الإصلاحات في الميزانية العامة ثم إصدار السندات الدولية وسيتبلور في نشرة إصدار شركة أرامكو.
قد يكون لهذه التغييرات الجذرية تبعات أخرى لن تظهر في المدى المنظور نظرا لأنها غير مباشرة. فعلى سبيل المثال، خطة التحول الوطني تضع أهدافا طموحة لمشاركة المرأة في سوق العمل وتخفيض نسبة البطالة خصوصا بين النساء. ومع ارتفاع تكاليف المعيشة، سنجد بعض الأسر تحتاج إلى أكثر من معيل. ولكن انضواء المرأة في سوق العمل يرتبط بانخفاض معدلات الإنجاب وتأخر سن الزواج. الأمر الذي قد يسهم في تراجع نسبة النمو السكاني. قد يكون هذا التراجع محمودا في فترة التحول العصيبة، ولكن متى انفتحت الآفاق أمام الاقتصاد للانطلاق بقاعدة متنوعة الأنشطة، فإن النمو السكاني يعد أحد مؤشرات صحة الاقتصاد واستدامته.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال