الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أتذكر أني في فصل الشتاء الماضي، أي قبل عام تقريباً، كنت في سوق الذهب بالرياض مع زوجتي لتصليح بعض الحلي، وأثناء الانتظار عند الصائغ دار الحديث عن أسعار الذهب، وحتى يحصل صاحب المحل على حقه وأكثر كان يردد أن أسعار الذهب سترتفع، فقلت له ستنخفض، ولذلك فكلما ارتفعت أسعار الذهب خلال هذا العام كنت أتذكر هذا الحديث، وأقول في نفسي: صدق الصائغ، وهذه مبالغة ربما، فأسعار الذهب خلال هذا العام لا زالت تتذبذب صاعدة نازلة وإن المحصلة في نهاية العام ربما تميل إلى الهبوط أكثر من الصعود، ولكن هذا لا يلغي حقيقة: وهو أن لا أحدا بمقدوره أن يعطي تقييما 100% للتطورات الاقتصادية في المستقبل.
فأنا عندما توقعت في بداية هذا العام انخفاض أسعار الذهب فإن ذلك كان قائم على أساس نية جانيت يلين رئيسة مجلس الاحتياطي الفدرالي رفع سعر الفائدة على الدولار خلال العام الجاري 3 مرات. فهذا الأمر لو حدث لتحقق ما قلته للصائغ، ولكن مثلما نرى فإن أسعار الفائدة على الدولار والعام يشارف على نهايته لم ترتفع حتى الآن غير مرة واحدة.
بل إن الكلمة التي ألقتها يلين يوم الجمعة ما قبل الماضي، أثناء مؤتمر صناع السياسات وكبار الأكاديميين في بوسطن، قد اكتنفتها الضبابية بحيث كان من الصعب فهم ما الذي يريده أو يفعله مجلس الاحتياطي الفدرالي. فالكلمات المتقاطعة القريبة للشعوذة ليلين بأن: البنك المركزي يحتاج إلى سياسة “الزخم القوي” لإدارة الاقتصاد من أجل إصلاح الضرر الناجم عن الأزمة المالية العالمية التي كبحت الإنتاج وأبعدت الأمريكيين عن سوق العمل من الصعب أن يفهم منها أي شيء محدد.
إن هذه الألغاز والطلاسم قد تكون مناسبة لبلد يعيش أجواء انتخابية حتى لا تستغل من قبل المرشحين خلال الحملة. إذ حتى رويترز التي نقلت حديث المصرفية الأولى، تحت عنوان: يلين: سياسة “الزخم القوي” قد تكون السبيل الوحيد للتعافي من الأزمة، تتساءل أو تستغرب: أنه في ضوء مؤشرات اقتصادية تتراوح من ضعف التضخم إلى أثر تدني أسعار الفائدة على الإنفاق لا توجد قطاعات تذكر في أكبر اقتصاد في العالم تسير على النحو الذي توقعه مجلس الاحتياطي.
ولذلك فإذا كانت المسؤولة المالية الأولى في الولايات المتحدة بل والعالم غير قادرة على إعطاء وصف دقيق لتطورات الاقتصاد في بلدها فإنه من البديهي أن تقدير غيرها لن يكون أفضل منها.
والمسألة هنا حساسة، والسبب هو موقع الاقتصاد الأمريكي في الاقتصاد العالمي. فحجم هذا الاقتصاد الذي يصل إلى أكثر من 17 ترليون دولار يؤدي إلى تأثر وإلى حد ما توقف التطورات الاقتصادية في بقية بلدان العالم على ما يحدث له. ونحن جزء لا يتجزأ من هذ العالم. ولهذا فليس من النادر أن تعتمد الكثير من التنبؤات بشأن اقتصادنا على توقعات وتصريحات المسؤولين الماليين والاقتصاديين الأمريكيين حول اقتصادهم.
ولكن هل يدرك الصائغ الذي دار بيني وبينه الحديث في سوق الذهب أن الخطاء الذي وقعت أنا فيه يومها يعود إلى تصديقي تصريحات الساحرة يلين في بداية هذا العام.
نقلا عن الرياض
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال