الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لنبدأ من الأساس، الدول كالأفراد ، تتحصل على دخل من مصدر( مصادر) معين وتنفقه على إحتياجاتها وفي حال زيادة المصروفات تضطر عندها لأحد الخيارات ( أو عدة منها) *إيجاد مصادر دخل إضافية *تخفيض المصروفات وبالخصوص الغير ضرورية *السحب من الإدخار/تصفية الإستثمارات *الإقتراض من السوق المحلي أو الدولي بالنسبة للمملكة والتي يعتمد دخلها بشكل أساسي على دخل بيع النفط ومايتبعه من مخاطر تعرض أسعاره لتقلبات السوق وبالتالي تأثيره على مستوى االإستثمارات/الدين (لاحظ الجدول الرسم البياني التالي ) مرت على المملكة مراحل صعود وهبوط مختلفة خلال ال 40 سنة السابقة ( بداية تطبيق الخطط الخمسية) وصل خلالها الدين العام لمستوى 100 % من الناتج المحلى للدولة في نهاية التسعينات وإنخفض بعدها لحدود 2 % بنهاية 2014 . إرتفع هذا المعدل الى حدود 6 % بنهاية سنة 2015 مع بداية برامج الإقتراض ويتوقع أن يرتفع ليصل إلى حدود 30-35 % ( حسب تصريحات وزير الدولة محمد ال الشيخ) لو نظرنا لهذه المرحلة والتي تبعت إنخفاض أسعار النفط نهاية 2014 من حدود 100 $ للبرميل حيث وصلت إالى العشرينات خلال 2016 وتتداول حاليا بحدود 45/50 $ للبرميل في الربع الرابع من سنة 2016 . نلاحظ إتباعها عددا من الخيارات المذكورة في مختلف الأوقات التي مرت بها خلال تاريخها. قامت الحكومة بإتخاذ العديد من الإجراءات لمواجهة العجز المتوقع لهذه السنة والسنوات القادمة لعل أهمها. *تخفيض الدعم على مشتقات البترول والكهرباء وزيادة بعض الرسوم على الخدمات *إلغاء/تجميد العديد من المشاريع ( رأسمالية وبنية تحتية) وخصوصا الغير ضرورية *السحب من الإحتياطيات العامة ( 600 مليار ريال تقريبا خلال الفترة من يناير 2015 الى أغسطس 2016. *الإقتراض من السوق المحلي على شكل إصدار سندات حكومية بالريال ( 200 مليار ريال تقريبا منذ شهر يوليو 2015) تلازمت هذه الخطوات مع إعلان الحكومة البدء بتطبيق مشروع رؤية 2030 والذي يشمل تطوير شامل لمختلف سياسات الحكومة السعودية والتي تهدف الى زيادة فعالية إقتصادها وتقليل الإعتماد الكبير على دخل النفط. يتوقع تراجع تقديرات العجز في الميزانية العامة السعودية، إلى 151 مليار ريال نهاية العام المقبل وهو ما يشكل نسبة كبيرة من التراجع بنحو 43% مقارنة مع تقديرات العجز نهاية العام الحالي عند 265 مليار ريال( شركة جدوى) مقابل عجز بلغ 367 مليار ريال خلال عام 2015. من ناحية أخرى ، تقدر الإحتياجات التمويلية التراكمية في الميزانية للفترة 2016-2021 بحوالي 1,460 مليار ريال (صندوق النقد الدولي) وهذا يستوجب إيجاد مصادر تمويل للميزانية بعيدا عن التي تم إستخدامها خلال السنتين السابقتين لعدة أسباب وأهمها *المحافظة على إحتياطيات المملكة النقدية اللازمة للحفاظ على مستوى تثبيت الريال مقابل الدولار وأيضا تحسبا لتغير الظروف الحالية للاسوأ. *عدم الضغط على الاسواق المحلية بما يؤدي الى تجفيف السيولة. *تخفيف تاثير خطة التقشف وترشيد الإنفاق بما يؤثرعلى الحياة اليومية للمواطنين لذا لجأت الحكومة الى خيار الإقتراض من الاسواق الدولية والتي أبدت في العديد من المناسبات تعطشها لإصدارات من المملكة كونها الوحيدة من دول الأسواق الصاعدة التي لم تصدر سندات دولية . أضف الى ذلك أن هذا الإصدار سيسهل الطريق للبنوك والشركات السعودية لاتباع نفس خطوات الحكومة والقيام بإصدارات مماثلة حيث يتم إستخدام أسعار إصدار الحكومة كمرجع إسترشادي. تسائل العديد من المهتمين عن الأسباب التي دعت الحكومة لإصدار السندات بفترات إستحقاق مختلفة وبسعر عائد ثابت ( علاوة على عائد سندات الخزية الأمريكية) نستطيع تلخيصها في نقطتين أساسيتين توزيع مدد الاستحقاق يفتح سوقا أكبر من المستثمرين المحتملين ويؤسس لإنشاء منحنى عائد (yield curve) للأسواق المحلية. أسعار الفائدة الحالية على الدولار الأمريكي تعتبر منخفضة جدا مقارنة بمعدلها التاريخي ( لاحظ الرسم البياني التالي لـ 15 سنة السابقة).
يتيح إصدار سندات سعر ثابت الفرصة لتثبيت الأسعار طوال مدة الإقتراض والإبتعاد عن مخاطر إرتفاع معدل أسعار الفائدة على الدولار مستقبلا (المتوقع) . من ناحية أخرى ، يلجأ مصدرو السندات الى تسهيل وتبسيط عملية الطرح لجذب أكبر عدد ممكن من المستثمرين المحتملين وهم في هذه الحالة مؤسسات وصناديق إستثمار من مختلف مناطق العالم والتي ترغب عادة في إصدارات مشابهة للذي عرضته المملكة خلال هذا الشهر . كانت التقديرات الأولية تشير الى التوجه لإصدار سندات بحدود 10 $ مليار ولكن مع تنامي الطلبات المؤكدة من المستثمرين الدوليين والتي بلغت 67 $ مليار ، تم زيادة المبلغ المصدر إلى 17.5 $ مليار ليصبح أكبر إصدار في تاريخ الدول الصاعدة (Emerging Market) مما يعكس ثقة المستثمرين بمستقبل الإقتصاد السعودي في الختام، أود الإلتفات للنقاط التالية بعيدا عن ماتم طرحه في الإعلام من تهويل أو تهوين للمرحلة التي نمر بها – الإعتماد الكبيرعلى النفط سبب رئيس في التقلبات التي يواجهه إقتصادنا – مرت المملكة بظروف أسوأ من الظرف الحالي ( مستوى الدين وأسعار النفط) لكنها إستطاعت تجاوزها – الإقتراض من الأسواق المحلية والدولية يساهم في سد جزء كبير من العجز ويساعد الحكومة على تنفيذ خطواتها الأخرى طالما لم يتضخم لمستوى تستهلك فيه تكاليف خدمة الدين جزءا كبيرا من دخل الدولة. – ترشيد الصرف والدعم مهم ولكن يجب الإهتمام بالفئات الأضعف من المجتمع وتوفير البدائل الحقيقية لها. – رفع إنتاجية الإقتصاد مهمة جدا وتستلزم المحاسبة الصريحة للمقصر ومكافأة المتميز – النمو الكبير لعدد السكان والطلب المتنامي للسكن والوظائف يستوجب تطوير بنية إقتصاد المملكة بشكل جذري والتركيز على القطاعات المنتجة والتخصصات التي يحتاجها الإقتصاد القادر على المنافسة دوليا – الدعم الموجه للمستثمرين يحتاج للمراجعة بحيث يعكس الحاجة الحقيقة ويؤسس لإقتصاد تنافسي – مصادر الطاقة البديلة تحتاج لللتفعيل ووضع برنامج تحول واضح للإعتماد على الطاقة البديلة. – إعتماد وتنفيذ المشاريع يحتاج تطويرا للأجهزة الرقابية والتنظيمية ماليا وتنفيذيا
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال