الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
رئيس تنفيذي لشركة استثمارية – دبي
ahmad_khatib@
لو قارنا الاحتراف في كرة القدم العربية مع نظيره في الكرة العالمية لوجدنا أننا متأخرون ما لا يقل عن 100 سنة في ذلك. بدأ احتراف اللاعبين في انجلترا حوالي العام 1880. والمقصود باحتراف اللاعب أن يكون متفرغا ويتقاضى مقابلا ماديا مقبل تفرغه للعب. مع ذلك لم يتم قبول لعب كرة القدم كمهنة منظمة إلا بعد عدة سنوات. تدريجيا انتشر الاحتراف وأصبح هو الأساس لبناء الفرق والمنافسة على البطولات.
في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي حدثت ما يمكن أن نسميها الطفرة الاقتصادية في كرة القدم. بدأت النظرة تتغير نحو اللعبة الشعبية الأولى في العالم بكونها مصدرا مهما للأرباح يمكن تطويره وهو ما حدث لاحقا. السبب الرئيسي في تلك الطفرة برأيي هو انتشار البث التلفزيوني في أنحاء العالم مما زاد الجماهيرية وبالتالي الإعلانات وما شابهها.
تحولت أندية كرة القدم وخاصة الكبرى منها إلى ما يشبه الشركات التي تسعى للربح فأصبح كل أمر يتعلق بها تجاريا له أنظمته وتشريعاته القانونية من عقود اللاعبين إلى حقوق النقل التلفزيوني إلى العلامات التجارية وكل الأمور الأخرى. هذا الوضع حول أسلوب الإدارة في الأندية إلى الأسلوب الاستثماري. وهذا لا يعني الاستثمار المالي بعيدا عن كرة القدم والتخطيط للفوز بل إدخال الاستثمار في هيكلية الإدارة لتحقيق العوائد الكبيرة التي تمكن النادي من الاستمرار في النمو وتحقيق الأموال والبطولات.
يعتقد المشجعون العاديون الذين يهتمون فقط بالمباريات واللاعبين، وهم الأغلبية الساحقة من المشجعبن، أن الصرف والاستثمار يكون فقط على شراء عقود اللاعبين والمدربين بينما هو يتعدى ذلك بشكل كبير. أورد هنا مثالا اطلعت عليه بشكل بسيط عن قرب بالإضافة إلى متابعتي لكرة القدم وأخبارها بشكل عام.
في العام 2008 اشترت مجموعة تابعة للشيخ منصور بن زايد نادي مانشستر سيتي الانجليزي. بدأ النادي بصرف الأموال للتعاقد مع لاعبين كبار وأصبحت الفكرة السائدة أن المجموعة لديها أموال كثيرة تصرفها لشراء اللاعبين بهدف الفوز بينما كان النادي يعلن أن لديه مشروعا استثماريا. قمت في العام 2012 بزيارة للنادي مع مجموعة من أطفال إحدى الأكاديميات الكروية التي استضافها النادي. أخذنا المندوبون في جولة شملت مرافق النادي. كانت تلك المرافق على مساحات شاسعة جدا فيها ملاعب كثيرة للتدريب، وهي لا تشمل ملعب المباريات الرئيسي الموجود في منطقة أخرى، وقاعات محاضرات ومعسكرات.
كان هناك أيضا مدرسة وسكن خاص للاعبين الذين يأتون من مناطق وبلاد أخرى كي يتابعوا تحصيلهم الأكاديمي. الاهتمام بالتغذية أيضا متوفر عن طريق مختصين. طبعا المدربين أصحاب الخبرة كل في تخصصه يعملون ويلقون المحاضرات. عند خروجنا رأينا فريقا ناشئا من دولة أفريقية يستضيفه النادي.كل ذلك يصب في الاستثمار في المواهب التي ممكن أن تصل لتلعب في فريق النادي أو يتم بيع عقودها. يضاف إلى ذلك نشر الاهتمام بالنادي من خلال الصغار الذين يتم استضافتهم ويصبحون من جماهيره. فيما بعد، اشترت الإدارة ناديا في أستراليا وناديا اخر في الولايات المتحدة لتوسيع القاعدة الاستثمارية.
ما سبق كما ذكرت هو مثال فقط حيث أن معظم الأندية الكبيرة تقوم به بالإضافة إلى إنشاء المدارس الكروية التي تحمل اسمها في كل بلدان العالم وبيع المنتجات من قمصان وملابس وغيرها. هذا كله يتطلب صرفا استثماريا كبيرا وعددا كبيرا من الاداريين الذين يشرفون على العمل. ولكن في المقابل يتم تحقيق ايرادات ضخمة جدا. على سبيل المثال، تساهم صناعة كرة القدم في اسبانيا بما يقارب 7 مليار يورو في الناتج المحلي الاسباني وهو ما يوازي 0.75%.
في تقييم الأندية يتصدر ريال مدريد القائمة بقيمة تصل إلى 3.6 مليار دولار يليه برشلونة ومانشستر يونايتد بقيم تصل إلى 3.5 و 3.2 مليار على التوالي. قيم تلك الأندية هو بسبب قدرتها على تحقيق ايرادات كبيرة بشكل مستمر وذلك يعود لجماهيريتها في كل أنحاء العالم وإدارتها الاستثمارية القوية. الأندية الثلاثة المذكورة مثلا تحقق سنويا ايرادات تزيد على 600 مليون دولار.
تاريخ الأندية طبعا مهم لكنه لا يكفي لتحقيق الايرادات. فإذا نظرنا إلى نادي مانشستر سيتي الذي يعتبر تاريخه أقل من غيره فإن قيمته تبلغ حوالي 2 مليار دولار ويحقق ايرادات سنوية تقترب من 500 مليون. بينما نادي ليفربول العريق جدا تبلغ ايراداته 460 مليون وقيمته 1.5 مليار.
في المقابل هناك فرق كرة قدم أديرت بشكل عشوائي ماليا مثل فريق بارما الإيطالي الذي تم ضخ الكثير من الأموال فيه نهاية التسعينات فأصبح قويا جدا لكن مع تغير الوضع المالي أفلس وعاد متواضعا. مثله أيضا أندية عريقة كليدز يونايتد وفيورنتينا وغيرها.
مع أننا تأخرنا كثيرا عربيا في الاستثمار الصحيح إلا أن الفرصة ما زالت قائمة. لكن المهم جدا للنجاح هو معرفة أن إدارة كرة القدم لا تتم من قبل مشجعين أو مدربين أو محبين للنادي بل يجب أن تكون من قبل متخصصين استثماريين وهو ما سيفتح المجال لخلق فرص وظيفية كبيرة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال