الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يمكن تعريف مؤشرات الاقتصاد الكلي بأنها مجموعة البيانات الإحصائية التي تستخدم لقياس مدى كفاءة وقوة الاقتصاد الوطني. وتعد مؤشرات البطالة والتضخم وإجمالي الناتج المحلي والنمو فيه أكثر هذه المؤشرات شيوعاً لأهميتها الفردية كمؤشرات مستقلة وكذلك لأهمية النظر إليها في إطار واحد متكامل؛ فلو كان هناك نمو في إجمالي الناتج المحلي بينما معدلات البطالة تظل مرتفعة أو ترتفع فهذا مؤشر خلل هيكلي حيث أن هذا النمو لا ينتج عنه تحسن في الوضع الاقتصادي للأفراد بل أن معدل البطالة يظل عند مستوياته أو يرتفع في حالات أخرى. ونفس الوصف ينطبق على حالة ينمو فيها الناتج المحلي الإجمالي ولكن مستوى تكاليف المعيشة يتغير بالارتفاع (التضخم) بمعدلات أكبر من معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي ما يعني أن النمو الاقتصادي ينتج عنه تراجعاً في مقدرة الفرد الشرائية.
هذا لم يكن سوى تقديم بهدف بيان مدلول هذه المؤشرات وأهميتها وكيفية النظر إليها كمجموعة واحدة لفهم مدى تحسن الوضع الاقتصادي من عدمه. وهذا الأمر ليس محل اختلاف أو خلاف كبير؛ لكن الخلاف عادةً يتمحور حول كيفية احتساب هذه المؤشرات التي تتأثر بها الأسواق بشكل كبير وبالتالي فالخطأ او التفاوت الكبير في احتسابها قد يبعث رسائل خاطئة للمتعاملين أو المتداولين في الأسواق فتكون ردود الأفعال مبالغ فيها خاصة عند إرسال بيانات سلبية حيث أثبتت الدراسات الإحصائية أن ردة فعل السوق للأخبار السلبية أشد منها في حال الأخبار الإيجابية.
معظم الخلاف حول احتساب معدل التضخم وهو التغير في مؤشر أسعار المستهلك من فترة إلى أخرى ينحصر في أمرين:
مجموعة السلع والخدمات الداخلة في احتساب المؤشر حيث لا يتفق الجميع على ما تضمه هذه المجموعة لحجج كثيرة منها على سبيل المثال افتراض هذا المؤشر تماثل قائمة السلع والخدمات المستخدمة لجميع فئات المجتمع باختلاف مستويات الدخل.
كل سلعة وخدمة تدخل في احتساب مؤشر أسعار المستهلك تعطى وزناً نسبياً بحسب ما ينفقه الفرد عليها من إجمالي دخله؛ وهناك اختلاف حول دقة هذه النسب لأن ما ينفقه الفرد ذو الدخل المرتفع على سلعة أو خدمة معينة يختلف عن الفرد ذو الدخل المنخفض.
أما بالنسبة للخلاف والجدل السائد حول معدل البطالة فهو عائد إلى ناحية تتعلق بمنهجية احتساب معدل البطالة وكذلك من ناحية مفهوم أو تعريف البطالة وعدم العمل الذي يمكن تصنيفه تحت بند البطالة ومالا يمكن تصنيفه. ويمكن تلخيص معظم هذه النواحي فيما يلي:
مسألة منهجية احتساب معدل البطالة: في وجهة نظري الشخصية استخدام مصطلح “احتساب” يفيد رغبتنا في الوصول لمعدل البطالة الأدق وذلك من خلال حصر شامل للقوى العاملة فرداً فرداً وتحديد نسبة غير العاملين من إجمالي القوى العاملة التي تم حصرها؛ بينما استخدام مصطلح “تقدير” يفيد رغبتنا في الوصول لمعدل البطالة وإن لم يكن بالدقة القصوى وذلك لغرض أخذ فكرة عامة أو على مستوى عالي عن مدى تفشي البطالة دون الخوض في التفاصيل، وهذا عادةً يكون من خلال منهجية مشابهة لما تتبعها الهيئة العامة للإحصاء حيث تعتمد على مسح ميداني باستخدام عينة تحتوي 33,325 أسرة، والتي بالتأكيد لن تكون كافية لتعكس الصورة الصحيحة عن المجتمع ككل.
مسألة تصنيف من يدخل في احتساب معدل البطالة ومن لا يدخل: يتم حصر القوى العاملة بكل من هو قادر على العمل ممن يكون عمره فوق 15 عاماً وهو في حاجة العمل ويبحث عنه لأن هنا ربات البيوت واللاتي يقمن بعمل جليل وإن لم يكن مادياً ولكنهن يكتفين بعملهن العائلي ولسنا بحاجة لعمل مقابل عائد مادي ولا يبحثن عنه. كما أن هناك المتقاعدين الذي ادخروا ما يكفيهم فهم لا يبحثون عن العمل وهناك أيضاً من لديه ورث لا يحتاج معه للبحث عن عمل. وبالنسبة للهيئة العامة للإحصاء فهي تقوم بعمل كبير من خلال أخذ مثل هذه النواحي في الاعتبار عند تقدير معدل البطالة مع التحفظ على كونه قائم على أساس عينة قد لا تعكس إجمالي السكان.
من ناحية اجتماعية ومنطقية من وجهة نظري الشخصية يعترض الكثيرون على عدم إدراج ربات البيوت العاملات ولو بلا مقابل مادي ضمن القوى العاملة لأن العمل لا يمكن حصره في الإطار المادي المحدود للعمل. وكذا الحال ينطبق على المتفرغين للأعمال الخيرية بلا مقابل وإن كان حجم هذه الفئة لا يصل حجم فئة ربات البيوت.
العمل والحراك الذي تقوم به الهيئة العامة للإحصاء لتفعيل هذا القطاع الحيوي لا جدال فيه وأي ملاحظات على منهجية العمل لا تقلل منه أبداً؛ فالجهود واضحة والتحسن ملحوظ. وإثارة الجدل ليست دائماً سلبية بل هي مطلوبة لأنها تحرك المياه الراكدة وتشجع نقاشات مهمة نحتاج لوضعها على الطاولة. الحركة الاقتصادية تحت مظلة التحول الوطني تتطلب ذراعاً إحصائياً قوياً وفعالاً وهذا المؤمل وهذا ما أشارات إليه سابقاً في مقال بعنوان “صناعة المعلومة وتحولنا الوطني” وأعتقد أن المشجع في الأمر أن الدكتور فهد التخيفي هو الرجل المناسب في المكان المناسب وفي الوقت المناسب للنهوض بمخرجات هذا القطاع إلى مستويات تتفاعل مع متطلبات واحتياجات المرحلة الانتقالية وما بعدها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال