الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يمر اقتصاد المملكة العربية السعودية بعملية إعادة هيكلة وتحول انتقالي، وليس لدى المملكة أي خيار سوى تخفيض الاعتماد على النفط من خلال تعزيز دور القطاع الخاص وتقليص دور الدولة وتحرير الاقتصاد الوطني وبذلك يتم فسح المجال لمكاسب طويلة الأجل لتعزيز الانتاجية والاستثمار والتوظيف.
ومن دون اتخاذ إجراءات اصلاحية ذات مغزى وعالية الفعالية، فمن المرجح أن تواجه المملكة العربية السعودية دورة ممتدة من الركود مع اضمحلال أحدث الطفرات الاقتصادية وهذا يمثل مشهداً مزعجاً ولكنه في رأيي محفز كبير, حيث بلغ عدد سكان المملكة ضعف عددهم عندما خفت بريق آخر طفرة اقتصادية.
وعلى الرغم من سوء استيعاب الرسوم البلدية من قبل السوق، حيث تم تداول انه سيتم تطبيق الحد الأقصى للرسوم، بينما الرسوم التي تم الإعلان عنها مؤخرا من قبل وزارة الشؤون البلدية والقروية تدعم السوق والنمو، حيث أن الأثر التراكمي لجميع الرسوم هامشي جدا على الاقتصاد فتأثيرها على اجمالي الناتج المحلي اقل من 0.02% واثرها على التضخم عند 0.018% والانخفاض في الاستهلاك لن يتعدى 0.014%، وهذه النسب اقل بكثير مما تم احتسابه وتوقعه.
أما على مستوى الشركات فإن أثرها على التكلفة للشركات المدرجة في سوق الأسهم سيكون في المتوسط أقل 9 مرات من لو طبق الرسم بالحد الأقصى البالغ 300 ريال سعودي لكل متر مربع على جميع الكيانات التجارية، حيث سيكون الرسم الذي تدفعه المحلات التجارية 6 ريالات لكل متر مربع كحد اقصى وهو منطقي جدا واقل بكثير مما كان متوقع وأثره جدا هامشي على قطاع الأعمال.
علاوة عن ذلك وحتى لو لم يكن ملاحظا على المدى القصير، فمع الزيادة البسيطة في قيمة الرسوم ستزداد كفاءة الاقتصاد، حيث سيبدأ رواد الأعمال في التفكير في استغلال المساحات وتحسين بيئة العمل باستخدام طرق وأساليب جديدة ومبتكرة من خلال الاستفادة بشكل أفضل من المساحات الصغيرة، وهذا من شأنه دعم التوفير في استهلاك الطاقة، حيث ان الكيانات التجارية الأصغر ستحتاج إلى مساحة أصغر لإضاءتها وتبريدها وإدارتها.
تعتبر الكفاءة على مستوى المدن والقرى هي جزء من مجهود أكبر للتحول الاقتصادي لرفع كفاءة استهلاك الطاقة للفرد، حيث قدرت تكلفة الطاقة في المملكة العربية السعودية في عام 2016 (بما في ذلك البنزين والديزل والغاز الطبيعي والطاقة الكهربائية) بـ 4.2% من اجمالي الناتج المحلي الإجمالي، وإذا تم اضافة المياه فقد تصل النسبة إلى 5.3% من اجمالي الناتج المحلي، وهذا يعني خسارة سنوية بأكثر من 120 مليار ريال، وهذا ببساطة وضع غير مستدام.
أولا: الرسوم الجديدة ذات حساسية تجاه الاستهلاك والاستثمار في الاقتصاد الفعلي، وبشكل أكبر على القطاع التجاري وبالأخص قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ومع رسوم بلدية منخفضة جدا، المنشآت الصغيرة والمتوسطة محمية بشكل أكبر, حيث ان الرسم الثابت المنخفض سيسمح لهم بالمحافظة على تكاليف تشغيلية منخفضة، في الوقت الراهن يساهم قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة بنحو 20% من اجمالي الناتج المحلي وبتطبيق رسم لا يتجاوز 6 ريالات عن كل متر مربع فإن هذا القطاع في طريقه إلى تحقيق نسبة 35 % من إجمالي الناتج المحلي بحلول العام 2030، أما رسوم المطاعم البالغة من 4 إلى 8 ريال لكل متر مربع فيمكن التحكم بها وتأثيرها يعتبر هامشي على المستهلك، وفيما يخص المستودعات فالرسم الذي تم اقراره هو ريال واحد فقط لكل متر مربع وهذا معدل يعد منخفضا بأي معيار من المعايير الدولية.
ثانيا: الرسوم البلدية الجديدة ستؤدي الى زيادة عدد الوظائف للمواطنين السعوديين على مدى السنوات القادمة مما سيزيد من الاستهلاك المنزلي.
ومن ناحية أخرى ستدعم الرسوم البلدية المنخفضة قطاع التجزئة وتخلق فرص وظيفية جديدة، حيث تستهدف رؤية المملكة 2030 استحداث مليون وظيفة في العام 2020، علما بأن القطاع يوظف في الوقت الراهن أكثر من 1،5 مليون موظف ولكن نسبة السعودة في القطاع تقل عن 20 %.
إن تأثير زيادة عدد المواطنين السعوديين الذي سيتم توظيفهم بدلاً عن الوافدين سيكون إيجابيا على الاستهلاك المحلي, حيث ان معدل إنفاق المواطنين السعوديين محليا أكبر بكثير من معدل إنفاق الوافدين.
وفي حال حالف النجاح والتوفيق كل هذه الخطط فإن اجمالي عدد الوظائف في المملكة سيرتفع حسب تقديراتي بواقع 73 % بين العام 2014 والعام 2030 حيث سيزيد عدد الوظائف الى 23 مليون وظيفة مقارنة بـ 14 مليون وظيفة حاليا، وعلى الرغم من أن الرقم المستهدف يبدو متفائلا فمن الجدير بالذكر أنه خلال فترة تسعة سنوات بين العام 2005 والعام 2014 ارتفع عدد الموظفين السعوديين بنحو 86 % من 6 ملايين موظف إلى 11 مليون موظف، وعلاوة على ذلك فإن التركيز الجديد على استحداث وظائف للمواطنين السعوديين سيقودنا إلى تسريع عملية السعودة وعليه فإننا نستطيع تقدير ارتفاع نسبةالمواطنين السعوديين الموظفين الى 56 % بحلول عام 2030 عن النسبة الحالية البالغة 36 %، وكل هذا يعني نسبة نمو تصل إلى 161% في المواطنين السعوديين الذين يتم توظيفهم مما يترتب عليه نمو قوي في حجم الاستهلاك.
ثالثا: قطاع الإسكان هو أحد أكبر المستفيدين من الرسوم المنخفضة، ففي رؤية المملكة 2030 تستهدف المملكة العربية السعودية زيادة في نسبة تملك المساكن في العام 2020 من 47% حاليا إلى 52 %. حيث يوجد في الوقت الراهن حوالي 5.2 مليون مسكن عائلي لذلك سيتطلب الأمر توفير 260.000 مسكن جديد للوصول إلى نسبة 52% يستثنى من ذلك المساكن الجديدة التي يجري انشاؤها، غير أنني أتوقع ارتفاع الطلب بنحو 550.000 مسكن اضافي خلال تلك الفترة مما يعني أن المواطنين السعوديين سيحتاجون إلى شراء 500.000 إلى 600.000 مسكن على مدى السنوات الخمس القادمة للوصول إلى معدل 52 %، علماً أن رسوم الصيانة والترميم بالإضافة إلى البناء لا زالت منخفضة للغاية.
رابعا: تعد الرسوم البلدية منخفضة مقارنة بكل المقاييس الإقليمية ومن المفترض أن تكون قادرة على مساندة الأهداف الواردة في رؤية المملكة 2030 التي تحتوي على أهداف متنوعة تختص بصناعة السياحة، وأنا أعتقد أن السياحة ستكون مجال التركيز الرئيسي ولذلك أفترض أن يستمر الاستثمار في هذا القطاع بمعدل 80 ريالا عن كل فرد سنويا.
رؤية 2030 تفيد بأن خطة الحكومة تهدف إلى زيادة عدد التأشيرات إلى 15 مليون تأشيرة بحلول العام 2020 وإلى 30 مليون تأشيرة بحلول العام 2030 الأمر الذي يتطلب استثمارات كبيرة وهامة لاسيما أن السياحة الدينية ستلعب دور كبير في زيادة الناتج المحلي الاجمالي للمملكة العربية السعودية.
والرسوم التي أعلن عن تطبيقها مؤخرا تدعم بقوة قطاع السياحة والضيافة بصورة عامة، على سبيل المثال، كانت التوقعات ترجح تطبيق الحد الأقصى للرسوم بواقع 12000 ريال لفنادق الخمس نجوم في المواقع المتميزة لكل وحدة سنويا، ولكن ما تم اقراره في اللائحة هو بين 50 و250 ريال لكل وحدة سنوياً، أما بالنسبة للفنادق من فئة الأربع نجوم فإن الرسم يتراوح بين 40 و200 ريال لكل وحدة سنوياً، وهذه مؤشرات مشجعة للغاية لقطاع الضيافة.
وبالنسبة لأراضي الترفيه (الاستراحات) فإن الرسوم بدورها ستكون مشجعة للاستثمار، حيث أن الرسوم للأراضي التي تتجاوز مساحتها 30.000 متر مربع تتراوح بين 15 و30 هللة وستتم معاملة أراضي الترفيه بنفس الطريقة.
وفي الختام، تمثل هذه الرسوم خطوة في الاتجاه الصحيح الذي لا يعيق من النمو في شركات الأعمال الصغيرة منها والكبيرة كما لا يتوقع أن تؤدي إلى تضخم الأسعار على المستهلكين. تعتبر هذه الاصلاحات بمثابة خطوة في الاتجاه الصحيح للوصول الى اقتصاد أكثر كفاءة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال