الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تعتمد رؤية المملكة 2030 على ثلاثة محاور وهي المجتمعالحيوي، والاقتصاد المزدهر، والوطن الطموح. وليصبح اقتصادنا اقتصاد مزدهر غير معتمد بشكل كامل على النفط كمصدر دخل لابد من إيجاد بيئة جاذبة للاستثمار، وزيادة الإنتاجية، وتعزيز التنافسية، والتحول من الاستهلاك الى الإنتاج، وذلك يتطلب زيادة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ودفع الشباب لريادة الأعمال، وتحفيز الابتكار والابداع، والتركيز على قطاعي الصناعة والتكنولوجيا بدلاًمن اتجاه كافة المشاريع المحلية للمجالات التجاريةوالخدمية مما خلق نوع من التكرار الممل الغير جاذب، فالتنوع مهم للتقدم، وتحقيق التنمية الاقتصادية.
للمنشآت الصغيرة والمتوسطة أهمية قصوى في دعم الاقتصاد الوطني، ودفع عجلة التنمية، وأثر إيجابي على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، وزيادة الصادرات، وخلق فرص عمل جديدة للشباب السعودي، وفتح أسواق عمل جديدة، وتنويع مصادر الدخل، وتوسيع القاعدة الانتاجية. وقد صدر قرار مجلس الوزراء في 13 محرم1437هـ الموافق 26 أكتوبر 2015م بالموافقة على إنشاء “الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة” ذات شخصية اعتبارية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري. حيث تسعى إلى مراجعة الأنظمة واللوائح، وإزالة العوائق، وتنظيم قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة، ودعمه وتنميته ورعايته، وتسهيل الحصول على التمويل، ومساعدة الشباب المبدعين في تسويق أفكارهم ومنتجاتهم.
فالمنشآتالصغيرة تساهم بنسبة لا تتعدى (20%) من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالنسبة التي حققتها الاقتصادات المتقدمة التي تصل إلى (70%). ولا تتعدى نسبة تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة (5%) من التمويل الإجمالي وهي نسبة ضئيلة مقارنة بالمعدلات العالمية.ومن أهداف رؤية المملكة 2030 دعم ريادة الأعمال وتنمية مهارات الشباب والشابات، ورفع نسبة مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في إجمالي الناتج المحلي من 20٪ إلى 35٪. ورفع نسبة مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي الغير نفطي من 33% الى 35% بحلول 2020م. وقد تم استقطاع 25% من حصة هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة لدعم الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة.
لا يوجد تعريف موحد ومعتمد للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، فالتعريف يختلف من دولة لأخرى ومن مجال لآخر، وقد عرفتها بعض الدول بشكل متباين وفق معايير متنوعة، فعرفت حسب عدد الموظفين، وعلى حسب رأس المال، وعلى حسب حجم المبيعات. ويتطلب القيام بمشروع توفر المهارات الإدارية في صاحب المشروع، وقدرته على الابتكار والابداع، واستعداده النفسي والمادي للمخاطرة، كما يجب أن يمتلك مهارة القيادة، والقدرة على مواجهة العقبات الاقتصادية والتحديات الاجتماعية.
ومن الصعوبات التي تواجه أصحاب المشاريع الحصول على تمويل، فبالرغم من إطلاق الدولة عدة برامج لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتقديم تسهيلات لرواد الأعمال مثل: برنامج مسارات الذي صممه بنك التنمية الاجتماعية (البنك السعودي للتسليف والادخار سابقاً) ليكون الذراع الداعم للشباب والشابات الذين لديهم رغبة وطموح لممارسة العمل الحر، وشق طريق النجاح بامتلاك مشاريعهم الخاصة. وبرنامج كفالة لتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة وهو برنامج تعاون بين وزارة المالية (ممثلة في صندوق التنمية الصناعي السعودي) والبنوك السعودية، ويهدف إلى التغلب على معوقات تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة المجدية اقتصادياً، والتي لا تملك القدرة على تقديم الضمانات المطلوبة لجهات التمويل.
ويغطي نسبة من مخاطر الجهة الممولة في حالة إخفاق النشاط المكفول في سداد التمويل أو جزء منه، وتشجيع البنوك على تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة حيث رفع البرنامج في 2011م نسبة الكفالة إلى 80% من قيمة التمويل للمنشآت الصغيرة والمتوسطة بنوعيها الناشئة والقائمة، وفي ذات العام رفع البرنامج الحد الأقصى للإيرادات السنوية للأنشطة المؤهلة لكفالة البرنامج من 20 إلى 30 مليون ريال. الا أن ليس كل متقدم يسمح وضعه المالي والائتماني بالحصول على التمويل المطلوب، وتقديم ضمانات للبنك.
من اللافت للنظر أن ضعف مساهمة المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي ناتج عن تأخر وقصور من الجهات المعنية بتشريع أنظمة وقوانين تنظم عملها، وتخلق بيئة استثمارية جاذبة، ولعل ما يبشر بالخير اعتبار رفع نسبة مساهمتها من ضمن الأهداف الاستراتيجية لوزارة التجارة والاستثمار في برنامج التحول الوطني 2020، والذي يهدف لتحقيق رؤية المملكة 2030 مما يعكس الرغبة بتفعيل دورها في دعم الاقتصاد الوطني، وليتحقق ذلك لابد من القيام بالأمور الاتية وأخذها بعين الاعتبار:
1. إنشاء صندوق مالي لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة بفوائد منخفضة، ومشاركة الصندوق بنسب معينة من الأرباح السنوية خلال فترة محددة، وذلك حسب قيمة القرض، وحجم المنشأة، وقيمة الإيرادات، وفكرة المشروع.
2. تفعيل دور الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، فمن المثير للدهشة الا يكون لها موقع الكتروني على شبكة الانترنت بالرغم من مرور أكثر من عام على انشائها، وأن يكون عملها محصور في توقيع اتفاقيات والاعلان عن مبادرات لتغيير ثقافة ريادة الأعمال. فيجب أن تلعب دور أهم وأن تقدم الارشادات والاستشارات المالية والقانونية والإدارية لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتوفر لهم الخدمات المطلوبة بوقت قياسي (سجل تجاري-ترخيص-دراسات جدوى)، وتنظم عمل المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
ولعل ما أمر به الدكتور ماجد القصبي وزير التجارة والاستثمار بمراجعة أي نظام مر عليه 10 أعوام أمر إيجابي لمعالجة الثغرات القانونية في بعض الأنظمة التي تعيق استمرار وتوسع المنشآت الصغيرة والمتوسطة. فقد أظهرت إحصائيات الغرف التجارية أن عدد السجلات التجارية التي تم شطبها في المملكة تصل إلى 54.864 سجلا تجاريا في 2015م.
3. تحفيز الشباب السعودي على الاستثمار في المناطق النائية، وفي القطاعات الإنتاجية مثل: الصناعة، والتكنولوجيا، والزراعة. وعدم حصر الاستثمار بالمجال التجاري والخدمي الذي اكتظ به السوق.
4. انشاء مجالس للشباب في كل منطقة من مناطق المملكة توصل أصواتهم لمتخذي القرار، وتنظم اجتماعات دورية مع الوزارات والهيئات الحكومية ذات العلاقة، وتنظم حلقات نقاش لتبادل الأفكار والآراء، واقتراح الحلول لتذليل العقبات التي تواجه أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة، فليس كل المشاريع الصغيرة والمتوسطة رائدة، فكثير منها مكررة وتقليدية، وتقدم نفس الخدمات وتمارس نفس الأعمال مما يتطلب دعم ريادة الأعمال، وتشجيع الأفكار الإبداعية.
5. انشاء معاهد ومراكز أكاديمية حكومية وأهلية لتدريب الشباب والشابات في مجال الإدارة والقيادة والتخطيط الاستراتيجي، وتأهيلهم لإدارة مشاريع صغيرة ومتوسطة مقابل أسعار رمزية. كما يجب على المؤسسات والمراكز الأكاديمية الحكومية والأهلية الحالية القيام بدور أكبر في هذا الجانب، ف60% من المشروعات الصغيرة في المملكة تتوقف عن مزاولة نشاطها في السنة الأولى من التشغيل بسبب الفشل في تحقيق الأرباح ونقص الخبرة في الادارة.
6. دعم ثقافة العمل الحر وتشجيع العمل التجاري بتنظيم ندوات ومؤتمرات ولقاءات تثقيفية، وعرض تجارب الدول الأخرى الناجحة، وتبادل الخبرات والمعارف مع أصحاب المشاريع في السعودية والدول الاخرى.
7. اجراء دراسات وأبحاث موضوعية حول المصاعب التي تواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة، لإيجاد أفضل الحلول المناسبة، وتطوير مهارات الشباب والشابات.
8. دفع البنوك لتقديم تسهيلات ائتمانية وقروض ميسرة، ومشاركة أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة في أعمالهم كجزء من مسؤوليتها الاجتماعية حيث توجد مشاريع صغيرة ومتوسطة ذات أفكار إبداعية قابلة للتوسع الا انها تفتقر للتمويل والدعم الفني والإداري مما يعيق نموها.
يجب التركيز على المشاريع الصغيرة والمتوسطة فهي عصب الاقتصاد، ولها أهمية في خلق مجتمع منتج، واقتصاد مثمر، وبيئة عمل صحية، وينبغي أن نغير مفهوم العمل لدى الشباب والشابات بتغيير الفكرة السائدة، وهي أن العمل يعني وظيفة بالقطاع الحكومي أو الخاص، فلا يمكن للقطاع الحكومي والقطاع الخاص توفير وظائف مستقبلا لكل الباحثين والباحثات عن عمل، فمعالجة البطالة تتطلب عدم اختزال العمل بوظيفة تقليدية مما يقتل الابداع والابتكار، لذا علينا الاتصال بالمستقبل من خلال التخطيط السليم، وإيجاد حلول مناسبة لمعالجة المشاكل التي تحد من المشاريع الصغيرة والمتوسطة بوقت قياسي.
ان الرغبات الفردية للشباب والشابات بالعمل الحر بدون تحفيز اجتماعي، وحماية قانونية، وضمان مالي، ودعم حكومي لن تؤدي الى تحقيق نتائج إيجابية مما يتطلب تضافر الجهود المبذولة لتحقيق النجاح على الأمد الطويل. فلا يمكن أن يصغي الينا الشباب وواقع الحياة أمامهم مختلف، ولا يصح أن نصور لهم أن الفرص متاحة، والطرق ممهدة بينما تواجههم سدود، فالشباب لا يريدون فقد اذاناً صاغية، وايادي تصفق لأفكارهم الإبداعية في المنتديات والمحافل بل يريدون تحول فعلي بتوفير بيئة عمل جاذبة، وعوامل تساعدهم على تحويل أفكارهم الإبداعية الى مشاريع رائدة، والانتقال من مرحلة التنظير الى مرحلة العمل، ومن التصور الى الإنجاز الفعلي، فالشباب هم وقود المستقبل، ولديهم أفكار نيرة، وطاقات كبيرة، وطموح عالي، وإرادة قوية، وكل ما يحتاجونه مجتمع يؤمن بهم، وقانون يحمي مشاريعهم، وجهات عامة وخاصة تدعمهم وتحفزهم، وتمويل مناسب. وكل ذلك ممكن وقابل للتحقق إذا تعاونا جميعاً من أفراد وقطاع حكومي وخاص على مواجهة التحديات، وإيجاد الحلول، وتحسين الأداء.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال