الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
طبعا نحب كأفراد انخفاض الأسعار، ولكن، هل ما يصلح للفرد يصلح دوما للمجتمع أو الوطن؟ هل ما يصلح لدولة يصلح دوما لدولة أخرى؟ الجواب لا. من الخطأ الشائع توهم أن انخفاض الأسعار دوما علامة صحة، بل الانخفاض يدل في حالات كثيرة على العكس، مرد ذلك أنه لا ازدهار دون تضخم. والانحدار العام في الأسعار أو في سلع غالبا يصاحبه انكماش، وزيادة بطالة وخسارة منتجين.
لنأخذ الحديد على سبيل المثال. شهدت أسعار حديد البناء ارتفاعات ملموسة خلال الأسابيع الماضية بعد موجة انخفاضات ملموسة بدأت قبل سنتين أو ثلاث، وأهم سبب في ارتفاع أسعار الحديد أخيرا قرار الصين خفض الإنتاج لرفع الأسعار، وتنتج الصين نحو نصف إنتاج العالم. تريد أن تتأكد من كلامي، إليك حديث قبل ثلاثة أشهر حول الموضوع مع الرابط لصحيفة Chinadaily الصينية الصادرة بالإنجليزية:
لماذا قررت الصين ذلك؟ لأن منتجين صينيين كثيرين عانوا الخسارة مع تزايد الإنتاج وانخفاض الأسعار في فترة خلت. وليست الصين الوحيدة وراء سياسة خفض الإنتاج لرفع الأسعار. دول “أوبك” وغير “أوبك” طبقت وتطبق السياسة نفسها بهدف رفع الأسعار.
معروف أن سكان الدول المصدرة للنفط هم أقلية بالنسبة لسكان العالم. حسنا، لو اشتكى لك مواطن من دولة غير مصدرة، الجشع والظلم في خفض “أوبك” إنتاجها فما جوابك له؟ طبعا هناك مبررات وفوائد لارتفاع سعر النفط. هو نفسه سيستخدمها في سلع أخرى يراها تحقق له أو لدولته مصلحة. القصد أن العمل على رفع الأسعار أي الغلاء مطلب أحيانا.
كانت الفكرة أن انخفاض أسعار النفط مفيد للاقتصاد العالمي ككل. مثلا أصبح الناس يشترون البنزين بسعر أرخص. لكن فكرة أنه مفيد للاقتصاد العالمي أصبحت موضع نقاش واعتراض. كيف؟
ارتفاع أسعار النفط يعمل على تحريك كميات من الأموال من الدول المستوردة إلى الدول المصدرة، كبلادنا. طبعا وكما هي الحال عبر عشرات السنين، لن نستخدم أو تبقى هذه الأموال كلها داخل بلادنا، بل جزء كبير منها سيدخل النظام المالي العالمي. وهذا النظام بقيادة مصارف العالم سيوفر أموالا أكثر للإقراض و/أو الاستثمار على المستوى العالمي. ومن جهة أخرى، زيادة المعروض من الأموال تدفع إلى خفض أسعار الفائدة. المحصلة آثار إيجابية على النمو الاقتصادي العالمي.
وتبعا للتفكير السابق، عدل مجموعة من كبار اقتصاديي صندوق النقد الدولي رؤيتهم لأثر انخفاض أسعار النفط. كانت الفكرة أن نزول أسعار النفط محفزة على نمو اقتصاد العالم، رغم تضرر اقتصادات بعينها كالاقتصاد السعودي.
لكن الفكرة السابقة لم تصمد خلال السنتين الماضيتين. لوحظ أن أسعار أسواق الأسهم الكبرى في العالم تتحرك نزولا مع انخفاض أسعار النفط، وكان يتوقع العكس.
لماذا؟ وجود هذا الارتباط غير المتوقع بين أسعار النفط وأسعار الأسهم تسببت فيه السياسات النقدية عالميا. عمل أكبر البنوك المركزية على خفض أسعار الفائدة، الذي تزامن مع انخفاض أسعار النفط، توقعا لتحفيز نمو اقتصاد العالم، لكن أسعار الفائدة الآن وصلت تقريبا إلى الصفر؛ وعليه فإن انخفاض أسعار النفط يضغط جزئيا تجاه انكماش اقتصادي عالمي.
لوحظ أن العكس صحيح. ارتفاع أسعار النفط يدفع إلى ارتفاع أسعار الأصول كالأسهم، وإذا لم ترتفع أسعار الفائدة، فإن ارتفاع أسعار الأصول يساعد على نمو الاقتصاد.
بنك جولدمان ساكس المعروف يزيد في توضيح النقطة، مع تكامل النظام المالي العالمي، فإن ادخار الدول النفطية يجد سبيله إلى الدول المستهلكة، ومن ثم يسهم في نموها، ويدافع “جولدمان” عن رأيه أنه خلال القرن الحالي، كانت أسعار الأصول والنمو الاقتصادي كلها في زيادة متقاربة، رغم ارتفاع أسعار النفط بقوة. معروف أن أسعار النفط شهدت زيادات حادة في عقد السبعينيات من القرن الميلادي الماضي، لكن النظام المالي العالمي لم يكن متكاملا متداخلا بالصورة التي رأيناها خلال السنوات العشر الماضية.
لاحظ “جولمان” أن الفائض في الادخار أي الذي تحرك خارج حدود دوله، ارتفع من نحو تريليون دولار عام 2001 إلى نحو سبعة تريليونات دولار عام 2014، ما دفع إلى ارتفاع أسعار الأصول عالميا. طبعا هناك الجانب المظلم للقصة. صنع نوع أو درجة من الفقاعة في أسعار سلع أولية وفي أسعار العقار.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال