الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إنها ليست التجربة الأمريكية وليست الأوروبية ولا اليابانية ولم تكن الماليزية؛ بل إنها “التجربة السعودية” في بناء وإدارة المدن الصناعية والتي انطلقت منذ عقود ولا زالت تتجدد كل يوم لتصبح مفخرة لكل سعودي وخليجي وعربي ومسلم. هذه التجربة الجديرة بالدراسة لا يكفيها مقال بل كتاب لأنها لم تكن مجرد استثمار تقليدي بل كانت إنموذجاً قائماً على الركائز التالية:
أولاً: التخطيط: عملية استثمار قائم على تخطيط وفهم للإمكانات المتاحة سواء المادية أم البشرية.
ثانياً: إدارة التغيير: عملية تغيير جبارة استلزمت دمج المواطن العنصر الأساسي لنجاحها ليتحول ويتأقلم مع متطلبات الحياة الصناعية الجديدة بمجمل مزاياها ومخاطرها مقارنةً بالمهن التقليدية التي كان يمتهنها الأغلبية – بلا تقليل من قدر وأهمية هذه المهن كالزراعة والرعي وغيرها من المهن.
ثالثاً: التوازن الاجتماعي: توفير سبل الحياة الكريمة لضمان نمط حياة متوازن للعاملين في هذه الصناعات حيث تم بناء الطرق والمباني الخدمية وتوفير المنافع كالكهرباء والمياه وغيرهما وتطوير الأحياء السكنية بما فيها المنازل والمساجد والمدارس والمستشفيات وغيرها.
رابعاً: التدريب والتطوير: إنشاء مراكز التدريب المحلية وإرسال الكفاءات السعودية لمراكز تدريب خارجية أو في مواقع الشركاء الأجانب الستثمرين في مشاريع هذه المدن الصناعية.
خامساً: الشراكة: عملية جذب للمستثمرين الأجانب لتوطين الخبرات والتقنيات في مجالات متعددة ما ساهم في تسريع وتيرة نمو القطاع الصناعي. كما تم العمل مع شركة أرامكو في مجال الطاقة لتوفير إمدادات الطاقة واللقيم لهذه الصناعات الضخمة في نفس الوقت الذي تم فيه التعاون مع مقدمي خدمات آخرين كالموانئ والمياه والخدمات اللوجستية المملوكة من مستثمرين محليين.
سادساً: الاستدامة: تأسيس الهيئات التي تتولى الإشراف على المدن الصناعية لتسهيل تطويرها وإنمائها مع عدم التساهل في تطبيق الضوابط التي تضمن تحقيق أعلى معدلات السلامة البيئية والأمنية فلا شئ يعلو على هذا الجانب ولا أرباح مادية تستحق العناء إذا كانت التكلفة خسارة أرواح بريئة أو التسبب بأضرار صحية للموظفين وساكني المناطق السكنية الواقعة ضمن نطاق المدن الصناعية.
ومع ارتفاع سقف التوقعات والعمل الدؤوب ضمن برنامج التحول الوطني نحو تحقيق رؤية 2030م لتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل وضمان التنمية المستدامة؛ تبرز التحديات التالية لهذه التجربة:
أولاً: التوسع في صناعات كانت محدودة سابقاً كالصناعات التعدينية ذات الطبيعة المختلفة عن الصناعات النفطية والبتروكيماوية سواء من حيث كيفية إدارتها ومخرجاتها الإنتاجية وآثارها البيئية ما يعتبر أمراً جديداً للجهات المشرفة على المدن الصناعية كالهيئة الملكية للجبيل وينبع.
ثانياً: الوصول لتكامل أكبر بين الجهات الحكومية المشرفة على المدن الصناعية عطفاً على التفاوت الكبير في خبراتها مثل الهيئة الملكية للجبيل وينبع وهيئة المدن الصناعية التي تشرفان على المدن الصناعية حالياً؛ وبالتالي فدمج خبرات هذه الهيئات سيكون إضافة كبيرة خاصة وأن الهيئة الملكية للجبيل وينبع ذات باع طويل في مجالات متعددة لا تقتصر على تجهيز البنى التحتية والإدارة المدنية والصناعية للجبيل وينبع ورأس الخير الآن؛ بل تمتد لوضع ضوابط تضمن الوفاء بالالتزامات الاجتماعية للقطاع الصناعي كعدم الإضرار بالبيئة والتي تعتبر معايير دولية حيث تعد تجربة الهيئة الملكية مؤشراً يحتذي به الغير محلياً ودولياً.
ثالثاً: يعتبر تعدد الهيئات (هيئة الاستثمار الأجنبي وبرنامج التجمعات الصناعية ووزارة التجارة والاستثمار ووزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية) والتداخل بينها فيما يتعلق بجذب الاستثمار الأجنبي وتنمية القطاع الصناعي من الجوانب التي من الممكن إصلاحها بحيث يتم تركيز الجهود في نطاق جذب الاستثمار الاجنبي للمملكة سواء الأموال أو التقنيات عوضاً عن خلق عبء هيكلي نتيجة للازدواجية بين هذه الجهات.
رابعاً: نتج عن التنمية الاقتصادية التي تنتج عن الاستثمار في المدن الصناعية كالجبيل مثلاً ارتفاعاً مبالغاً فيه في أسعار العقارات ما يعد خللاً في موازين التنمية لهذه المدن الصناعية ما يستدعي الحاجة للمزيد من العمل لتفادي مثل هذه الأمور في المدن المستقبلية.
هي تجربة ناجحة امتدت لعقود ومقال لن يكفيها كما أشرت مقدماً؛ واستمراريتها تستدعي استعراض أسباب النجاح، كما الفرص المتاحة للتطوير، والدروس المستفادة للتعلم منها، وكذلك أية تحديات قد تقف حجر عثرة أمامها مستقبلاً.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال