الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
منذ نهاية العام الماضي وأنا أكتب وأتحدث عن وجهة نظري المستقبلية الخاصة بالاقتصاد والتي تتمحور حول فكرة أن المؤشرات الإيجابية تزيد عن السلبية تدريجيا وأنني أتوقع أن يبدأ الاقتصاد العالمي بالتحسن بعد انجلاء الكثير من المتغيرات التي كان الكثيرين يتخوفون من وقوعها بعد حصول أحداث معينة. تلك النظرة ليست توقعا محددا بل إطارا عاما للاتجاه الذي أرى أن الاقتصاد يسير باتجاهه وهي نظرة قد تصح وقد تخطيء.
النظرة الاقتصادية كي لا تكون للتسلية يجب أن يبنى عليها قرارات عملية واستثمارية ولن توجد نظرة موحدة حول الاقتصاد لكل الناس في نفس الوقت. أي قرار استثماري أو عملي يأخذ نظرات متعددة كاّراء ثم يبني رأيه الخاص ويتخذ قراره. في فترة الأزمات الاقتصادية تكثر النظرات التشاؤمية لأن الكلام حولها سهل جدا. تتراجع المؤشرات فنسمع فورا توقعات بالأسوأ من إفلاسات وانهيارات وما شابه ذلك، لكن غالبا لا يتحقق معظم تلك التوقعات التشاؤمية فتبقى فرقعات إعلامية هولت على الناس وأصابتهم بالهلع.
منذ أزمة عام 2008 سمعنا عن توقعات بإفلاس البنوك وانهيار النظام العالمي، إلا أن النتيجة الحقيقية كانت محدودة قياسا بالتوقعات. تلك النوعية من التوقعات استمرت حتى العام الحالي وهذه بعض الأمثلة للتذكير بها. خلال أزمة اليونان سمعنا وقرأنا اّراء وتحليلات واستطلاعات أن اليونان انتهت و ستخرج من الاتحاد الأوروبي وستتبعها دول أخرى بشكل متتالي مما سيفرط عقد الاتحاد ويحدث كارثة. بعد الانخفاضات الشديدة في أسعار النفط على مدى عامين، كان الشغل الشاغل هو توقع أدنى سعر للنفط وكان الخلاف هل يصل إلى 10 دولارات أم يتماسك عند 20 دولار. بعد تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي بدأت في نفس اليوم التحليلات التي تتوقع انهيار الاقتصاد البريطاني وعزلتها كدولة عن الاقتصاد المحيط بها وأثر ذلك على أسواق العالم كله. في الولايات المتحدة الأميركية كانت الغالبية تتوقع فوز هيلاري كلينتون بالرئاسة لأن فوز ترمب سيكون كارثيا على أمريكا والعالم كله. لم تتحقق بعد الكوارث التي توقعها المتشائمون بل استمرت المؤشرات الاقتصادية في التحسن وبشكل أسرع من السابق. لذلك، تحولت التحليلات إلى القول بأن الكارثة فقط تأجلت ولكنها قادمة.
في منطقتنا بعد هبوط النفط بلغت النظرة التشاؤمية أوجها واستشهد أصحاب تلك النظرة بتقارير المنظمات الدولية التي تتوقع الإفلاس. فيما بعد ومع التغييرات الاقتصادية، تغير مضمون تلك التقارير لكن هذه المرة لم يستشهد بها المتشائمون. قرأنا أيضا عن توقعات انهيار أسواق الأسهم إلى مستويات منخفضة جدا وعندما ارتفعت مؤخرا ومحى بعضها كل خسائر السنة، قيل أن ذلك مؤقت والانهيار المزعوم قادم لا محالة.
كما أشرت في البداية فإن النظرة الاقتصادية كي تكون مفيدة وليست للتسلية يجب أن يتم بناء قرارات عليها. لا أرى أسهل من بناء قرارات على نظرة تشاؤمية. اذا كنت تتوقع انهيارا قادما لا محالة فأفضل ما تقوم به هو الابتعاد عن الاستثمار وعدم الدخول في أي مشاريع جديدة بانتظار حدوث الكارثة ثم يمكنك بعدها فعل ما تريد. اذا لم تكن تبحث عن اتخاذ قرار استثماري فإن حديثك المتكرر عن كارثة قادمة لا تحصل هو لنشر الهلع وجذب الانتباه.
في بداية العام سجلت أسواق الأسهم العالمية أسوأ بداية سنوية منذ عقود طويلة وتبعتها أسعار النفط التي انخفضت إلى أدنى مستوى في 12 سنة وكل ذلك أثر كالعادة على أسواق الأسهم العربية. هناك من انتظر الكارثة، وما زال، وهناك من استفاد من تلك الانخفاضات وانخفاضات أخرى. على سبيل المثال فإن مؤشر داو جونز ارتفع بنسبة 23% من أدنى سعر سجله في يناير.
للأسف أصبح الكثير من التحليلات والتوقعات الاقتصادية على طريقة المنجمين الذين يعلنون توقعاتهم الصادمة بداية كل سنة لجذب انتباه الناس. كذب المنجمون ولو صدقوا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال