الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في مسيرة إرثنا التاريخي القضائي مع الأوقاف يقف الباحث على مدى حرص الولاة على تخصيص دواوين لحفظ الأوقاف وصيانتها ومتابعة نظارها فقد وجدت مثل هذه الدواوين المستقلة في العهد الأموي، فكان القاضي توبة بن نمر بن حوقل الحضرمي أول قاض في زمن هشام بن عبدالملك يتولى إدارة الأوقاف والإشراف عليها، وكان القاضي أبو الظاهر عبدالملك بن محمد الحزمي يتفقد الأوقاف ثلاثة أيام كل شهر فإذا رأى خللاً في شيء ضرب المتولي عليها عشر جلدات عقاباً له على الإهمال فيها.
وفي العصر العباسي وجد ديوان للأحباس وكان لإدارة الوقف رئيس يسمى “صدر الوقف” أنيط به الإشراف على إدارتها وكان على الناظر الذي يكلفه القاضي بالإشراف على أموال الأوقاف وإدارتها والصرف عليها أن يقدم حسابه في نهاية كل عام، وفي العصر العثماني استحدثت وظيفة (الناظر الحسبي) الذي كان من ضمن وظائفه تفتيش أموال الوقف للتأكد من حسن استيفاء مواردها، وصرف إيراداتها في الأوجه الشرعية المنصوص عليها في وصية الواقف .
غموضُ ولقاء مع مسؤول “النظام لم يستثن الأوقاف.!!” :
النقاش محتدم في الأوساط الخيرية والشرعية والقانونية لعدم وضوح موقف وزارة الإسكان وعدم وضوح رأي الهيئة العامة للأوقاف وتأكيد بعض مسؤولي وزارة الإسكان في أحد الاجتماعات أن النظام لم يستثن الأوقاف.!!
وهذا صحيح لم يستثنيها لأنه لم يذكرها .. الحقيقة أنها خارجة عن مثار النزاع ومستجدات الأنظمة فالأراضي الوقفية محمية شرعاً ونظاماً حيث صدر نظام الهيئة العامة للأوقاف وتشرف عليها هيئة عامة تعنى بالرقابة على صيانة هذه الأوقاف والتأكد من استمرارية عطاءها في الغرض الذي أوقفت من أجله والمخاصمة ضد التعرض لها.
إن تطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء الوقفية سيدخل الأوقاف في إشكالات والتزامات وجملة من التصرفات التي لا تجوز لنظّارها حسب الأغراض الوقفية المحققة لمقصود واقفيها , فالأمر يحتاج لإعادة نظر لاستمرار حماية هذه الأوقاف فيما يحقق الصالح العام.
من حيث المبدأ أن نظام رسوم الأراضي البيضاء قصد منه كسر احتكار الأراضي البيضاء الشاسعة في ملكيات خاصة دون عامة الناس مسبباً لجملة من المشاكل تضر الصالح العام وهذا غير موجود في الأوقاف. ومن حيث المبدأ الأراضي البيضاء الوقفية ليست ملكيات خاصة محتكرة ومحجوزة دون الصالح العام , وإنما ملكية عامة للأمة والدولة محمية شرعا.
يقول البعض لا يستطيع أحد نفي أو إثبات شمول الأراضي الوقفية بنظام الرسوم على الأراضي البيضاء لأن النظام لم يعالج الأمر بنص واضح , وهذا صحيح , إلا أن النظام كذلك أشار إلى مانع نظامي منصوص في نظام رسوم الأراضي البيضاء حيث نصت المادة التاسعة : 1. لا يطبق الرسم على الأرض الخاضعة للتطبيق في أي من الحالات الآتية: ومنها (ب). وجود مانع يحول دون تصرف مالك الأرض فيها، بشرط ألا يكون المكلف متسبباً أو مشاركاً في قيام المانع.
أوقاف منذ قرون .. ما العمل؟
السؤال الذي يتبادر للذهن كيف ستتعامل وزارة الإسكان مع هذه الأنظمة وكيف ستتعامل مع أوقاف الصحابة وآل البيت وملوك الإسلام وأوقاف الملك عبدالعزيز والأمراء والوجهاء والتي مازالت منذ مئات السنين شاهدة على خيرية هذه الأمة في حمايتها؟.
وكيف ستتعامل مع وقف بئر رومة والتي أوقفها عثمان بن عفان في مزرعته في حي الأزهري في المدينة المنورة , وهو وقف مؤجر منذ 50 عاما على وزارة الزراعة، ويصرف ريعه على مصالح المسجد النبوي، وهو تحت نظارة وزارة الشؤون الإسلامية وانتقل للهيئة العامة للأوقاف؟.
الأوقاف الذرية والأهلية الخاصة .. ليست بمنأى عن النقاش :
وحتى الأوقاف الذرية المشمولة بنظام الهيئة العامة للولاية على الأوقاف يجب أن تكون مشمولة بالحماية لفائدته العظيمة في إسكان ذويها. قال الخصاف : “روي أن أبا بكر حبس رَباعا له كانت بمكة وتركها، فلا يعلم أنها ورثت عنه، ولكن يسكنها من حضر من ولده وولد ولده ونسله بمكة ولم يتوارثوها”، ثم قال: “وهذه الرباع مشهورة بمكة”.
قال البيهقي: «قال الحُمَيْدي: وَتَصَدَّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بِرُبُعِهِ عِنْدَ الْمَرْوَةِ وَبِالثَّنِيَةِ عَلَى وَلَدِهِ، فَهِيَ إِلَى الْيَوْمِ. وقال البيهقي: «قال الحُمَيْدي: وَتَصَدَّقَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ رضي الله عنه بِدَارِهِ بِمَكَّةَ فِي الْحَرَامِيَّةِ، وَدَارِهِ بِمِصْرَ، وَأَمْوَالِهِ بِالْمَدِينَةِ عَلَى وَلَدِهِ، فَذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ .قال البيهقي: «قال الحُمَيْدي: وَتَصَدَّقَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رضي الله عنه بِالْوَهْطِ (أرضه) مِنَ الطَّائِفِ وَدَارِهِ بِمَكَّةَ عَلَى وَلَدِهِ، فَذَلِكَ إِلَى الْيَوْم.
في جانب آخر هناك أوقاف معطلة :
في الجانب الآخر هناك أرقام تتحدث عن أوقاف معطلة بقيمة 500 مليار ريال في مختلف مناطق المملكة، وهناك تعويضات أخرى بعشرات المليارات لأوقاف معلقة منذ سنوات، جميعها بحاجة لمعالجة جادة وسريعة.
قد يكون لوزارة الإسكان دور ناضج في ملاحظة تلك الأراضي من الأوقاف المعطلة والرفع للهيئة العامة للولاية على الأوقاف بنقلها إلى مكان في مصلحة الوقف والاستفادة من الأراضي المعطلة في مشاريع الإسكان فهذا فيه نفع كبير وخدمة للمجتمع بدلاً من رسوم لم توضع قصداً لها .
يقول جون ساندويك وهو غربي مهتم بالأوقاف الإسلامية: الأوقاف الإسلامية بئر من تريليونات الدولارات، بحاجة للتنقيب والاستثمار الجيد. يقول أحد الباحثين في مكة تم رصد 35 عقار وقفي 11 منها لا تدر عائدا نظرا لتعرضها للإهمال والتهالك والقدم.
إجمالي الإيرادات التي كانت تحققها هذه الأوقاف مجتمعة قبل عام 1420 هجري 2.633.030 ريال. بعد دراسة تقرر إزالة الأوقاف وإدخال قيمتها في رأس مال إحدى الشركات.
بلغت الإيرادات السنوية لهذه الأوقاف في عام 1420 ما مجموعه 20.532.696 ريال أي 10 أضعاف ما كانت تحققه قبل الاندماج والمساهمة. ومن المتوقع أن تكون الإيرادات تضاعفت 10 مرات أخرى خلال ال17 سنة التالية. ولا نبتعد كثيراً فدول العالم من حولنا تعتني اعتناء شديد في تشجيع الأعمال الخيرية بالإعفاء الضريبي على الإسهامات الخيرية مما يوفر على المجتمع عطاء. فالأوقاف تعدّ من أقوى محركات التنمية المستدامة البشرية والمادية في العالم. الأمل أن تحسم مثل هذه الإشكالات مبكراً وألا تترك للاجتهادات الطارئة .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال