الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
صدرت الأسبوع الماضي تصريحات من وزارة العمل تدعو إلى خفض القبول فيما يسمى التخصصات النظرية، وزيادة القبول فيما يسمى التخصصات التطبيقية. لماذا؟ قيل لمراعاة حاجة سوق العمل. وإنني أدعي أو أرى أن تصريحات مسؤولي وزارة العمل تعكس ضعف تشخيص للمشكلة أو المرض.
ما المرض؟ مشكلة البطالة والتوظيف والتوطين في بلادنا. مصدر ضعف التشخيص ثلاثة أوهام: الوهم الأول أن الفرص الوظيفية متاحة أصلا للسعوديين، ولكن المشكلة تتركز في كون تخصصات أكثرها غير مناسبة لسوق العمل. الوهم الثاني أن شدة الرغبة في دخول الجامعات وتوسع الجامعات في القبول أسهمت في صنع مشكلة بطالة وليس العكس. والثالث أن أغلبية موظفي القطاع الخاص من الوافدين خريجي تخصصات تقنية ومستواهم المهني مرتفع.
وحيث إن البينة على المدعي، فإليكم بعض إثباتات ما ادعيته في ضعف تشخيص الوزارة للمشكلة.
الإثبات الأول نتائج مسح القوى العاملة خلال الربع الثالث من العام الجاري الصادر من الهيئة العامة للإحصاء. وهي نتائج تثبت خطأ وزارة العمل في تشخيص المشكلة. أهم نتائج المسح أن الاقتصاد السعودي استطاع توليد قرابة 700 ألف فرصة عمل جديدة في الربع الثالث من العام الجاري، ذهب منها لغير السعوديين نسبة 97 في المائة تقريبا، مقابل نسبة 3 في المائة فقط تقريبا للسعوديين.
ماذا يعني كلام الهيئة؟ هناك مئات الآلاف من الوظائف المولدة في شهور قليلة، لكنها ذهبت كلها تقريبا لغير سعوديين. هذا الكلام يضحك ويبكي في آن واحد.
الإثبات الثاني (ويفهم ضمنيا من الأول) كثرة العاطلين السعوديين حتى من ذوي التخصصات المسماة تقنية، ومن ينكر ذلك فهو إما جاهلا وإما متجاهلا للأوضاع. وليس سبب عطالتهم عدم توافر وظائف، بل الوظائف موجودة، ولكنّ السعوديين لا يتمكنون في العادة من منافسة الوافدين على هذه الوظائف (هذه النقطة تحتاج إلى شرح طويل، لكن باختصار لأن الوافدين أقل تكلفة بمعناها الاقتصادي الواسع).
الإثبات الثالث أن الهيئة العامة للمحاسبين قالت إن نسبة المحاسبين السعوديين في الشركات والمؤسسات لا تتجاوز 5 في المائة – المصدر جريدة “الاقتصادية” عدد 21 يونيو 2016. وأظن الوضع مشابها في تخصصات أخرى ما يسمى نظرية؛ كالمالية والقانون والتسويق والإحصاء.
الإثبات الرابع أن التساهل في استيراد اليد العاملة أي الاستقدام عبر عشرات السنين، جلب لنا ملايين يهيمنون هيمنة شبه تامة على سوق القطاع الخاص، بحيث أصبح المواطن غريبا في هذه السوق. إننا نعتمد عليهم بصورة شبه مطلقة سواء في الوظائف الحرفية أو غير الحرفية. وأغلبية الوافدين (الكلام عن العاملين في القطاع الخاص) يتصفون بصفتين: يشغلون وظائف لا تتطلب تعليما عاليا، والثانية أن الماهرين منهم، غالبا مهاراتهم ليست عالية المستوى.
ومع التساهل في فتح باب الاستقدام عبر السنين، أهملنا تماما إنشاء بنية تدريبية وطنية تكسب آلاف الشباب والشابات سنويا المهارات المناسبة لمجالات مثل معارض وأسواق التجزئة الصغيرة والكبيرة، والمخابز والحلويات، والملاحم، والمطابخ والمطاعم، وصوالين الحلاقة، وورش السيارات وغير السيارات، وقيادة وتشغيل الشاحنات والمعدات الثقيلة، ومحال ومراكز الصيانة، والخدمات الفندقية، ومحال الأثاث والمفروشات، والخياطة الرجالية والنسائية، والمطابع، وخدمات النقل، والزراعة، وغيرها. ونتج من ذلك أنه من النادر أن تجد سعوديين يجيدون أو يشغلون مهنا حرفية ذات متطلبات تعليمية بسيطة.
بقاء الوضع على حاله يعني تعميق مشكلة البطالة ومشكلة الاعتماد على الغير مع الوقت، ويعمق رغبة طلابنا في الالتحاق بالجامعات.
ما المطلوب؟ المطلوب يحتاج إلى كلام طويل عريض، ولكنني سأذكر نقاطا باختصار.
أولا: مطلوب القناعة بأن مشكلتنا في الوقت الحاضر ليست في توليد الوظائف، ولكن في استيراد من يشغلها. يجب الاقتناع بأننا أفرطنا كثيرا في هذا الاستيراد المسمى «استقدام». مشكلة توليد الوظائف ستظهر، ولكن بعد مرور سنوات طويلة على معالجة مشكلة الاستقدام.
ثانيا: مطلوب نشر وتحفيز التدريب الحرفي الذي لا يتطلب إلا تعليما أقل من الجامعي. مطلوب فتح المئات من برامج ومراكز التدريب في مختلف المهن، سواء بدوام كامل أو بدوام جزئي. هذا التعليم أو التدريب مهمل إهمالا، بصورة تدعو للاستعجاب الشديد.
ثالثا: مطلوب وبقوة تضييق باب استيراد مزيد من اليد العاملة عبر عدة وسائل من أهمها اشتراط الترخيص المهني في كل المهن قبل الممارسة، ووضع تواريخ، بحيث يتم بعدها إيقاف الترخيص المهني لأي وافد جديد. ومن يمارس دون ترخيص يعاقب هو ومن شغله بعقوبات شديدة.
رابعا: مطلوب تعديل وتحجيم نظام الإقامة القائم جوهره على ما يسمى شعبيا بالكفالة.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال