الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لم يكن العالم يتوقع نتائج الاستفتاء البريطاني الذي نتج عنه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كما لم يتوقع العالم أيضا فوز ترمب برئاسة الولايات المتحدة، وهو يعكس حجم الخلل في أدوات الإعلام في تحديد توجه الرأي العام.
في الزيارة الأخيرة لرئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي – وهي أول رئيس وزراء بريطاني بعد الـBrexit والمؤيدة له بشدة – التي زارت فيها بعض دول الخليج وفي مقدمتها المملكة، حضرت فيها القمة الخليجية في مملكة البحرين، وتقدمت فيها برغبة في مزيد من التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري للمنطقة، ومن ضمن ذلك أنها ذكرت في هذه اللقاءات أن الحكومة البريطانية تعمل على أن تكون لندن عاصمة الاستثمار الإسلامي، والحقيقة أن هذا ليس توجه الوزيرة تيريزا ماي فقط، فمجموعة من رؤساء الوزراء ووزراء المالية وعمدة لندن سابقا صرحوا بتصريحات مشابهة، وهو توجه حكومي لبريطانيا منذ سنوات، ولعل تصريح رئيسة الوزراء جاء متسقا مع التصريحات السابقة، ما يعني أنه سياسة الدولة، وليس توجها لحكومة محددة، ما يميز توقيت تصريح رئيسة الوزراء ماي أنه يأتي في وقت بريطانيا أحوج ما تكون فيه إلى تحالفات وشراكات جديدة لتعويض الأثر الذي أحدثه خروجها من الاتحاد الأوروبي، وسعيها إلى أن تحصل على حصة الأسد من أصول تبلغ أكثر من تريليوني دولار حاليا للتمويل الإسلامي.
الحقيقة أن لندن ليست جديدة على التمويل الإسلامي، فالمملكة المتحدة تصنع اليوم تكاملا يعزز من كفاءة التمويل الإسلامي لديها؛ حيث إن لديها مجموعة من الجامعات تقدم البرامج الأكاديمية في التمويل الإسلامي، إضافة إلى بعض المراكز البحثية المتقدمة في هذا المجال، كما أنها تستقطب مجموعة من الباحثين، خصوصا من الخبراء وطلبة الدكتوراه في هذا المجال، إضافة إلى أن لديها مجموعة من المؤسسات التي تقدم منتجات التمويل الإسلامي، خصوصا في مجال الرهن العقاري، الذي استفادت منه الأقلية المسلمة المقيمة في بريطانيا لتتمكن من شراء منازل لها.
السؤال هنا: هل إعلان لندن عاصمة للتمويل الإسلامي هو تقليل لجهود دول الخليج في هذا لمجال؟
شبكة (DW) الإعلامية عنونت هذه التصريحات بقولها: “هل تسبق لندن دول الخليج في الاستثمار الإسلامي”؟ وكأنها تنظر إلى هذا الموضوع وكأن هناك منافسة لإعلان مقر للتمويل الإسلامي، خصوصا أن دول الخليج لا تخفي الرغبة في الاستئثار أكثر بأصول التمويل الإسلامي، فدبي أعلنت قبل فترة أنها ستكون عاصمة للاقتصاد الإسلامي، وبدأت ببرامج فعلية، والمملكة اليوم لديها أصول ضخمة إن لم تكن الأضخم عالميا في التمويل الإسلامي.
الحقيقة أن موضوع حرص بعض المدن على استقطاب استثمارات التمويل الإسلامي لا يمكن أن ننظر له على أنه منافسة فقط، فهو من الجهة الأخرى تكامل، فبريطانيا بضخامة اقتصادها يمكن أن تعزز هذا التكامل في منظومة التمويل الإسلامي، فالمراقب اليوم لمجموعة من العمليات التي تتم لتنفيذ معاملات إسلامية تستفيد من التسهيلات التي تقدمها أسواق لندن، وذلك مثل المعاملات التي تتم في سوق لندن للمعادن، الذي تستفيد منه مجموعة من البنوك الإسلامية، ومن الممكن أن تدخل لاحقا البنوك المركزية لتنفيذ بعض المعاملات فيه، وسوق لندن تعد سوقا ضخمة تستوعب حجم معاملات كبيرة بخلاف بعض التجارب الحالية، فالعلاقة ينبغي أن ينظر إليها على أنها تكامل في الوقت نفسه، الذي ينظر فيه إلى أنها منافسة، كما أن اهتمام بريطانيا بالتمويل الإسلامي يدفع بمزيد من الثقة بالاستثمارات المتوافقة مع الشريعة على المستوى العالمي، خصوصا أن لندن تعد أكبر سوق مالية بعد نيويورك، والتمويل الإسلامي إلى فترة قريبة لم يكن يأخذ اهتماما واسعا على مستوى الأسواق والاقتصادات في العالم، ولكن اليوم تجد الإقبال الكبير من كثير من دول العالم تبدي رغبتها في استقطاب الاستمارات الإسلامية خصوصا الأدوات الأضخم مثل الصكوك الإسلامية.
فالخلاصة إن اهتمام بريطانيا بالتمويل الإسلامي والحرص على أن تكون لندن عاصمة للاستثمار الإسلامي لا ينبغي التركيز عليه في سياق منافسة أو لوم الدول الإسلامية خصوصا في منطقة الخليج بقدر ما ينبغي أن ينظر إليه على أنه يمكن أن يعزز التكامل في معاملات التمويل الإسلامي، خصوصا أن لندن يمكن أن تقدم خدمات للتمويل الإسلامي يصعب أن تقدمها عواصم أخرى، إضافة إلى أن اهتمام بريطانيا يؤكد كفاءة المنتجات المالية الإسلامية على مستوى الأسواق الكبرى، وهذا التوجه للحكومة البريطانية بلا شك ينبغي أن يشجع كثيرا من الدول الإسلامية وعلى رأسها دول الخليج؛ لتعزيز إمكاناتها في مجال التمويل الإسلامي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال