الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
من أجل خلق بيئة تنافسية جاذبة لتحقيق التوازن الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل وتوفير الفرص العادلة ورفع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في إجمالي الناتج المحلي من 20% إلى 30% تحقيقاً لتطلعات وطن طموح برؤية مستقبلية؛ تجدر الكتابة لإثراء أخلاقيات التنافس الاقتصادي وأدبيات الاستثمار وأبعاد الأنظمة السعودية وغاياتها الهادفة إلى ترسيخ الركائز الأساسية والقواعد والمبادئ العامة التي تناولها النظام الأساسي للحكم وترجمتْها الأنظمة واللوائح المتخصصة؛ ولنأخذ على ذلك مثالاً حياً وحيوياً خلال الفترة الراهنة التي تشهد تحولات اقتصادية عالمية وتشكل منعطفاً نوعياً في السياسة النفطية والصناعية والاستثمارية في المملكة:
فقد نص النظام الأساسي للحكم في المادة الثانية والعشرين على ما يلي (يتم تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفق خطة علمية عادلة)، وترجم هذه القاعدة الشاملة صدور نظام المنافسة بالمرسوم الملكي رقم (م/25) وتاريخ 4/5/1425هـ ، والمعدل بالمرسوم الملكي رقم (م/24) وتاريخ 11/4/1435هـ إضافة إلى غيره من الأنظمة والنصوص الكفيلة بتحفيز الاستثمار.
وقد تناول نظامُ المنافسة بالدرجة الأولى (حماية المنافسة العادلة وتشجيعها ومكافحة الممارسات الاحتكارية التي تؤثر على المنافسة المشروعة) كما في المادة الأولى من النظام، وعادة ما يكون هذا الهدف هو الغاية الأولى لقوانين المنافسة في الدول الأخرى؛ إلا أنه من القصور في تناول غايات المنظّم فهم هذا النظام في حدود الإطار النصي المحدد في المادة الأولى فحسب؛ وإنما تتسع غاياته لتشمل تعزيز الأمن بتفرعاته المتعددة كالأمن الاقتصادي، والأمن الاجتماعي، والأمن الغذائي والسلعي؛ إذ إن احتكار السلع الغذائية الأساسية يجعلها عرضة لانهيار تدفقها عند أي ظرف فعلي أو مفتعل ما يشكل تهديداً مباشراً لاحتياجات المجتمع الأساسية، في حين يحمي نظام المنافسة (كما في المادة 4/فقرة 2) تدفق السلع إلى الأسواق ويحمي حاجة المستهلك إلى السلعة ويضمن وفرتها بأسعار تنافسية تحقق التنوع وتعدد الخيارات.
وتتجاوز الضمانة الحمائية لنظام المنافسة ذلك إلى تعزيز الأمن الوطني بتجريم الممارسات المقنّعة بقناع الاحتكار والتي قد تنضوي تحتها أساليب الابتزاز بإيقاف السلع المحتكرة طبقاً لمواقف سياسية أو لزعزعة الاستقرار في الأحوال الاستثنائية التي تتطلب فيها حالات الكوارث والأزمات حرية التدفق السلعي للبضائع الأساسية والصنائع الضرورية ؛ وهو ما يبرر علو كعب العقوبات المنصوصة في (المادة 12) التي تضمنت بالإضافة إلى العقوبات الأصلية حال العود إلى المخالفة مضاعفة العقوبة، وجواز (إلغاء الترخيص نهائياً) حال الاستمرار بالمخالفة بعد صدور القرار أو الحكم بالعقوبة.
وبنظري أن تلك العقوبات وفقاً لمبدأ (التناسب بين العقوبة والخطأ) -الذي قررته (المادة 13)- شملت تناسباً واسعاً لحالات متفاوتة من المخالفات التي قد تحتفّ ببعضها ظروف مشددة أو مخففة تتطلب معالجُتها وجود هذا التنوع في العقوبات.
وكما كفل المنظم من خلال هذا النظام توفير البيئة الاستثمارية الجاذبة ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتوفير الفرص العادلة للمستثمرين الجدد وتنويع الخيارات بالنسبة للمستهلك المباشر أو غيره؛ فقد كفل أيضاً تشجيع الابتكار وتعزيز الاقتصاد المعرفي والارتقاء باستثمار الأفكار إلى المستوى الملائم لحجم اقتصاد المملكة وقوة أسواقها الشرائية وفاعلية الفرص والبدائل فيها، وحماية مؤسسات المعرفة الناشئة من “قسوة الاحتكار والتواطؤ” التي تحد بدورها من تجدد الأفكار وتنوع المنشآت المعززة لهذا القطاع الملهِم للمجتمع وشباب الأعمال؛ إذ نصت المادة الأولى من اللائحة التنفيذية للنظام الصادرة بالقرار رقم (126) وتاريخ 4/9/1435هـ على ما يلي: (يهدف نظام المنافسة ولائحته التنفيذية إلى: .. (4) تشجيع الابتكار وتعزيز فاعلية النشاط الاقتصادي)؛ ويمثل ذلك قيمة عالية للنظام ولائحته ونطاق أهدافه وممارساته.
وقد أثمرت جهود مجلس المنافسة -إلى حد متقدم- في تفعيل هذا النظام وتطبيق أحكامه؛ إلا أن عبء المسؤولية يتنامى بتنامي حجم التحول الاقتصادي في المملكة، من خلال تدعيمه بالخبرات والكفاءات والأساليب والوسائل والتجارب الدولية الكفيلة بتحقيق التطلعات وتجاوز التحديات للإسهام الفاعل في خلق بيئة استثمارية تقوم على أسس العدالة والشفافية وتكافوء الفرص وتكريس الدور الحيوي للمباديء القانونية العادلة التي أخذت بها المملكة في نظامها الأساسي وممارساتها القضائية وارتكزت عليها رؤيتها المستقبلية 2030م لتصبح العمق العربي والإسلامي والقوة الاستثمارية والاقتصادية الرائدة.
أخيراً ..
يخطئ من يظن أن نظام المنافسة ليس سوى عصا ردع للتاجر أو نبرة زجر وتهديد لقطاع الأعمال، بل هو أعمق وأدق -وفي الوقت ذاته- أكبر وأعم من ذلك؛ بشمولية مفرداته ودقة توصيفه وحكمة أحكامه ونطاق تطبيقاته.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال