الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تحدثت في المقال السابق عن القرار المنتظر بخفض القبول في الجامعات السعودية 30% لتصبح نسبة القبول 50% من خريجي الثانويات ، وكنت ومازلت مؤيدا لهذا القرار الذي تأخر كثيرا برأيي وتسبب ذلك التأخر بتشويه تركيبة حملة الشهادات الجامعية السعوديين بين النظري منها والعملي ، وبين ماله حاجة في سوق العمل وما ليس له حاجة .
وبسبب ذلك التشوه في مخرجات التعليم الجامعي قضت الحكومة زمنا طويلا في محاولات لإصلاح التشوه في سوق العمل السعودي دون جدوى ، ليس على مستوى القطاع الخاص فقط بل على مستوى القطاع الحكومي أوضح مثال على ذلك الوظائف الصحية إذ يمثل السعوديون فيها 45% فقط. وفي هذا المقال أريد التأكيد على حقيقة أن من أسباب تشوه سوق العمل السعودي هو مخرجات التعليم غير المناسبة من واقع الإحصاءات الرسمية .
فإذا كان 73% من خريجي التعليم العالي هم من التخصصات النظرية ، و 19% من التخصصات التي تجمع بين النظري والعملي ، في حين أن 8% من الخريجين فقط يمثلون التخصصات العملية . لذلك يمثل الجامعيون السعوديون ما نسبته 82% من المهن الكتابية ، و 89% من المهن الخدمية نسبة إلى الجامعيين العالميين في تلك المهن ، وهذا يؤكد أن الجامعيين السعوديين يعملون في المهن غير المنتجة في الاقتصاد السعودي ، فهم يمثلون 13% فقط من العاملين في القطاع التجاري بمختلف مستوياته ، بل إنهم لا يتجاوزون 19% من المهن الصناعية الكيميائية والتغذية ،وبعض المهن الهندسية الدقيقة لا يمثل السعوديين الجامعيين فيها 1% من تلك التخصصات . كل ذلك يؤكد على أن التشوه في مخرجات التعليم الجامعي من الأسباب الجوهرية في هذا التشوه المريع في سوق العمل السعودي .
دعوني أضرب مثالا بسيطا على التشوه في مخرجات التعليم الجامعي من واقع بيانات وزارة التعليم لخريجي الجامعات والكليات السعودية للعام 2014 و لتخصصين نظريين أحدهما مهني مطلوب في سوق العمل والأخر غير مهني والطلب عليه منخفض جدا ، هما تخصص الشريعه والمحاسبة ، فقد بلغ خريجو الشريعة لذلك العام أكثر من 8685 خريج ناهيك عن التخصصات الإسلامية الأخرى مثل خريجي بعض المعاهد وكليات الدعوة والقرآن الكريم وعلومه ، في المقابل لم يبلغ خريجي المحاسبة لنفس العام أكثر من 2047 خريج فقط .
بعض الاقتصاديين يرون في القرار مزيدا من الضغط على سوق العمل بتوجيه الشباب غير المقبولين في الجامعات لسوق العمل مباشرة ، وذلك الرأي صحيح لو أن دخولهم الجامعات يعني دخولهم سوق العمل بعد تخرجهم ، لكن الواقع أنهم سينضمون إلى عشرات الآلاف من العاطلين من خريجي التخصصات النظرية غير المطلوبة في سوق العمل ، ويعني إستمرار القبول في تلك التخصصات مزيدا من تكديس العاطلين الجامعيين ، بعد أن أُنفق عليهم مليارات الريالات وبذلك تكون الخسارة مركبة .
كلامي السابق لا يعني أن المشكلة كلها في مخرجات التعليم وأن سوق العمل جاهز لإستقبال الشباب السعودي المتعلم والمتخصص في المهن المطلوبة في سوق العمل أبدا ، فبعض الشباب السعودي المتعلم والمتخصص وصاحب الكفاءة العالية لم يستطع دخول سوق العمل السعودي رغم حاجة السوق لتخصصهم ومهارتهم ، والسبب أن سوق العمل يعاني تشوهات من نوع أخر سببه التستر الذي أدخل ملايين العمالة للسوق السعودي ومازال للأسف ، وسببه أيضا جشع بعض رجال الأعمال الذين يفضلون العامل الأجنبي الرخيص نوعا ما على العامل السعودي الذي يرونه مكلفا وغير آمن لسهولة تنقله وتركه للعمل . كما أن بعض أنظمةالعمل ساهمت في ذلك التشوه الحالي لسوق العمل ، وتركيز وزارة العمل على بعض المهن البسيطة من حيث عدد التوظيف فيها كقطاع الاتصالات وتركها قطاعات أخرى أكثر توظيفا وعلى رأسها قطاع التجزئة الذي تسيطر عليه العمالة الوافدة تماما سبب آخرلمشاكل سوق العمل . وإصرار الشركات العالمية العاملة في المشاريع الحكومية العملاقة على توظيف العامل الأجنبي خصوصا إبن بلدها وتفضيله على العامل السعودي المؤهل .
أخير ما كتبته في المقال السابق تأييدا لقرار خفض القبول في الجامعات في التخصصات التي لا تخدم سوق العمل لا يعني أني أقر بالتشوه في سوق العمل والسكوت عليه وعدم إصلاحه ، وما تقوم به وزارة العمل حتى الأن ليس كافيا ويجب عليها تكثيف جهودها في هذا الإتجاه . لكن لا يعني ذلك أن ترك التشوه في مخرجات التعليم لحين الإنتهاء من إصلاح سوق العمل قرارا صحيحا ، بل أعتقد أن ترك مخرجات التعليم بذلك التشوة يعني إستحالة إصلاح تشوه سوق العمل مطلقا وستظل العمالة الوافدة تسيطر على المهن الإنتاجية في الاقتصاد السعودي .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال