الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يتفق معظم أقتصاديوا المملكة “الممارسين للاقتصاد علمآ أو عملآ ” أن حجم وأهداف رؤية المملكة 2030 وأول برامجها، برنامج التحول ضخم جدا توافرت فيها أرقام أساس لقياس ولأهداف أدق، والأهم فيها هو استحداث لأدوات تنفيذية يتم تبنيها للمرة الأولى في تاريخ التخطيط الاقتصادي في المملكة مثل إدارة المشاريع، قياس الأداء، التدخل السريع، أدوات كفاءة الانفاق والحوكمة، تأسيس أجهزة حكومية مختصة وتنظيم كثير من أجهزة قائمة، – رغم أنها كانت ضمن مطالبات سابقه لخبراء وطنيين – وهذه التطورات الإيجابية جعلت هؤلاء الاقتصاديين يجمعون بشكل عام أن الرؤية تتفق مع الطموحات المأمولة.
لكن ومن جهة أخرى تتتفق معظم طروحات الاقتصاديين ومنذ إعلان الرؤية، أجمعت تقريبا على نتيجة واحدة وهي أن “المشكلة ليست بالرؤية بل بتنفيذ برامجها التي أخذت “حتى الآن” نزعة إدارية ومالية وقانونية بحتة”. والمطلع على طبيعة تخصص عمل الجهات الأستشارية يدرك ذلك، في حين لم تنل العديد من الجوانب الاقتصادية الأساسية نصيبا كافيا من المعالجة بالرغم من أن أهداف الرؤية وبرنامجها الوطني وآلية عمل علاقاتها لا يمكن أن تتم – إن أردنا مثالية التنفيذ – دون أن تأخذ بالاعتبار أساسيات اقتصادية ثابتة ومتغيرة على مستوى الاقتصاد الكلي “الدولة” وعلى مستوى الاقتصاد الجزئي “اقتصاد السوق”.
الأمثلة كثيرة في هذا السياق، ولكني سأكتفي بسرد بعضها كما يلي:
1. تبني سياسات اقتصادية مثل رفع عوائد ايرادات غير نفطية بلا ربط واضح بتداخلاتها وتأثيراتها على عمل مؤشرات الحسابات القومية الكلية. ولعل أحدث مثال على ذلك هو الأستثمار في “نون دوت كوم” بملامحه الحالية بلا دراسة أثره على الميزان التجاري وهدف تنمية المنتج المحلي.
2. غياب عدة مؤشرات اقتصادية بالتحول تعد من أساسيات أي خطة تنموية مثل المؤشرات المعنية بمستوى الطبقة الوسطى المستهدفة، والأجور والدخل الفردي. وهذه مؤشرات شديدة الأهمية توفرها كثير من الدول وتنشر كذلك في العديد من التقارير العالمية.
3. هناك الكثير من مؤشرات الأداء لم يتم وضع أرقام أساس لها وتم الاكتفاء بعبارة “جاري احتسابه”، ورغم ذلك تم رصد تكلفة برنامجه لتحقيق هدف لمؤشر لا نعرف حجم العمل فيه، ومثله أيضآ إعلان هدف مساهمة منشآت صغيرة ومتوسطة للناتج ونحن لم نقم بتعريفها إلا بعد نشر الهدف، وبالمناسبة وحتى وقت إصدار هذه المقالة لم يتم الإعلان عن الوضع الحالي لمستوى هذه المؤشرات.
4. البدء بسياسة “التقشف” بدلآ من “الترشيد” وتعبئة خزينة الدولة من الرسوم والضرائب أولآ قبل البدء بأستثمار الموارد الغير مستغلة بشكل كامل خصوصآ ظل فترات ركود أقتصادي وهذا تاثيرهواضح حتى الآن.
5. ترك القطاع الخاص ليقود دفة الاستثمار في الاقتصاد دون نشر خارطة استثمارية بكل قطاع توضح بشكل دقيق فرص الاستثمار والتمويل وملامح الدعم الحكومي إن وجد، والتحديات التي تترافق مع كل فرصة استثمارية. ولإيضاح حجم هذه الإشكالية، أظهر استطلاع للبنك الأهلي أن 44% من مؤسسات قطاع خاص محلي لاتعرف ماهي الرؤية وتوجهاتها.
6. الانتقال السريع في الاعتماد بشكل كامل على القطاع الخاص في خلق وظائف وتوطين ورفع أجور بشكل عاجل رغم المستجدات الثقيلة التي طرأت عليه مثل فرض الضرائب والرسوم خاصة وظل معاناة الاقتصاد من الركود، وتدني كفاءة السوق وتشريعاته، وتدني كفاءة سوق العمل وفق ما أوضحه تقرير التنافسية العالمي 2016. بنفس الوقت، تجاهل تصميم برنامج وطني لتوليد الوظائف عبر أضخم عملية تخصيص قطاع عام لشركات وطنية كبرى هي رغبة سلوك طالب الوظيفة وهي الوحيدة القادرة “حاليا” لخلق الوظائف وأبتلاع البطالة، متجاهلين نموذجنا الاقتصادي المختلف وهشاشة هذا القطاع حاليا، ومتجاهلين لسلوك أتجاه مستقبل الأسواق للحجم الكبير الذي يتكامل معها القطاع الصغير والمتوسط.
هذه الفئة من الاقتصاديين يريدون أن تنجح الرؤية، ويؤمنون أن عملا بهذه الضخامة سيواجه حتما عدة تحديات، ويرون أن الاقتصاد العالمي يمر الآن بحالة تغيير جذرية سريعة ولا يرون التسرع وخلط الأولويات بالبرامج، وفي هذا السياق، أحث جمعية الاقتصاد السعودية “الغائبة عن هذا الحدث الكبير” بالمبادرة بتشكيل لجنة أو فريق يتم اختياره بترشيح من أعضاء مجلس إدارة الجمعية بحيث يضم نخبة من الاقتصاديين السعوديين من أصحاب المؤهلات والخبرات المناسبة للخروج بتقرير اقتصادي وتنموي متكامل وذلك لتصويب جوانب القصور وتحسين بعض الجوانب الهامة في برامج الرؤية، والرفع بهذا التقرير إلى الجهة العليا.
وأختم بالقول أن المبادرات الإيجابية هي من صميم روح الرؤية 2030، لذلك فإني على ثقة أن هذه المبادرة ستجد صدى مشجعا لدى قيادة عليا، خاصة إذا علمنا أن أبوابها مفتوحة لكل مبادر “يملك الرغبة والقدرة المهنية الكافية للتقييم وتقديم الحلول”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال