الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
خلال العقد الماضي شهد الدولار الأمريكي تقلبات كبيرة، نتيجة لمجموعة من الأزمات التي مر بها الاقتصاد الأمريكي وانعكست على الحالة العامة للاقتصاد والدولار، فقبل بضع سنوات كان الدولار منخفضا عن أسعاره الحالية، مقارنة بالعملات الأخرى الرئيسة وكان لذلك الانخفاض أثره في السلع والمعادن مثل الذهب وغيره من المعادن والسلع بمختلف أنواعها.
وفي ذلك الوقت الذي كان الاقتصاد الأمريكي يعاني الركود قبل بضع سنوات كان الاقتصاد في المملكة يشهد نموا عاليا في الناتج المحلي، إضافة إلى الزيادة المستمرة في أسعار النفط التي بلغت مستويات قياسية، فمع وجود هذا التباين في حالة الاقتصاد كان لزاما أن تجاري السياسة النقدية في المملكة السياسة النقدية في الولايات المتحدة، باعتبار الارتباط الوثيق بين الريال والدولار، فأي تغيير في السياسة المالية سيكون له أثره السلبي في التقلبات في أسعار العملة، وفي هذا الوقت الذي كان الاقتصاد الوطني يشهد سيولة عالية كان معدل الفائدة منخفضا جدا مما لا يحفز على الاستثمار في الأدوات المالية منخفضة المخاطر، ما جعل السيولة تزداد في السوق وتؤثر في تضخم الأسعار والارتفاع المتواصل شجع كثيرا من المستثمرين على ضخ مزيد من السيولة في شراء الأصول والاستثمار في إنشاء مجموعة من الأنشطة التجارية والاستثمارية وتضخم قطاع المقاولات، خصوصا مع الإنفاق الحكومي الكبير على المشاريع التنموية والبنية التحتية ومزيد من الإنفاق على مجموعة من البرامج الاجتماعية والتعليمية والصحية.
الصورة اليوم مختلفة تماما، ففي الوقت الذي كانت تنحو الولايات المتحدة إلى تشجيع تحول السيولة إلى الأسواق عبر التخفيض في معدل الفائدة نجد أن الولايات المتحدة بدأت تميل إلى أن يكون الدولار قويا حيث ارتفع سعر الدولار بصورة ملحوظة خلال العامين الماضيين وبدأ الحديث عن رفع معدل الفائدة في ظل أن بعض الاقتصادات الكبرى خفضت سعر الفائدة إلى ما يقارب الصفر أو أصبح بالسالب، ما دفع مجموعة من المستثمرين إلى التحول إلى الدولار للحصول على عوائد أفضل من خلال تحسن سعر الدولار، إضافة إلى الزيادة في معدل الفائدة ما يزيد في الإقبال على الأدوات المالية المنخفضة المخاطر، خصوصا الصكوك والسندات المقومة بالدولار.
هذا التباين في الظروف الاقتصادية لا يعني بالضرورة أنه أمر مستمر في العلاقة بين الاقتصاد في المملكة والاقتصاد في الولايات المتحدة، ولكن ينبغي أن يكون هناك عمل على اتخاذ الإجراءات المناسبة التي تحد من أثر هذا التباين، قد يكون من الصعب العمل على تعويم الريال أو الاعتماد على سلة من العملات في ظل أن الاقتصاد الوطني يعتمد بصورة كبيرة حاليا على أسعار النفط المقوم بالدولار، ولكن من المهم أن تكون إجراءات إدارة السيولة مناسبة لكل مرحلة، ففي الوقت الحالي تميل السيولة نسبيا في المملكة إلى الانخفاض، وقد زادت تكلفة التمويل وارتفع معدل الفائدة، وهذا لا يشجع على زيادة معدلات السيولة في السوق، بل أصبح بعضهم يرى أن المملكة حاليا تريد أن تكون مستوردا للسيولة بدلا من تصديرها كما كان حال الاقتصاد في السابق، واستيراد السيولة يتطلب أن يتم التركيز في الإصدارات الحكومية لأدوات مثل الصكوك الإسلامية تستهدف السيولة من خارج سوق المملكة وليس من داخله، كما أن إجراءات الخصخصة تعد إحدى الوسائل التي تخفف من تكلفة الإنفاق الحكومي واستقطاب الاستثمارات الأجنبية وتنشيط السيولة المحلية، كما أن تهيئة السوق لمزيد من الاستثمارات الأجنبية سيكون له أثر في تدفق مزيد من السيولة، لكن ينبغي ألا يؤثر الوضع الحالي على السياسة الحكومية في الإنفاق على المشاريع التي تنشط السوق وتعزز من كفاءة وقدرة الشركات الوطنية على الاستمرار وتنشيط الحركة الاقتصادية في المملكة.
فالخلاصة أن السياسة المالية الأمريكية التي تميل إلى الاستمرار في زيادة معدلات الفائدة التي ستؤدي إلى الارتفاع في أسعار الدولار تأتي في وقت تتباين فيه حالة الاقتصاد بين المملكة والولايات المتحدة، وفي الوقت الذي قد يكون من غير المناسب تحرير سعر الريال أو الاعتماد على سلة من العملات باعتبار أن الاقتصاد يعتمد بصورة كبيرة في دخله على أسعار النفط المقومة بالدولار من المهم أن يكون هناك إجراءات تحد من شح السيولة في السوق السعودية لاستمرار واستدامة النشاط الاقتصادي، الذي يعتمد بصورة كبيرة على الإنفاق الحكومي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال