الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
العودة لدبي مرة أخرى والحديث مع صديقي أمده الله بالصحة و العافية.. الحقيقة أنني لم أبذل جهدا في يوم من الأيام لمعرفة سبب استخدام دول عديدة مثل الإمارات العربية المتحدة للعملات المعدنية وامتناع بعضها الآخر مثل السعودية عن هذا الاستخدام. فقد كنت ولازلت لا أحبذ التعامل بالعملات المعدنية في زياراتي إلى دبي. بل أكثر من ذلك، كنت أحاول التخلص منها بأي طريقة كانت. ومع إعلان مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) عن الإصدار السادس من العملة و تغيير الريال من ورقي إلى معدني و إضافة عملة الريالين المعدني، كان لزاما علي أن أتناقش في أسباب هذا الطرح و فوائده على الاقتصاد مع صديقي ونستأنس أيضا بآراء بعض الاقتصاديين وبعض البحوث السابقة ذات العلاقة بالموضوع.
يتم استخدام العملات المعدنية في كثير من الدول الاقتصادية الكبرى. والقرار في طرح العملات المعدنية والورقية يعود إلى السياسة النقدية المتبعة للدولة ووضعها الاقتصادي. فمثلا، في عام 2012 تم إلغاء التعامل بالدولار المعدني الكندي و ذلك نتيجة الاستخدام المفرط لهذه العملة و ارتفاع تكلفة التصنيع مما وفر على دافعي الضرائب حوالي 11 مليون دولار كندي في السنة الواحدة حسب ما ذكرت الحكومة الكندية. أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد حاول مكتب المحاسبة الحكومي من خلال عشرات التقارير في العشرين عاما السابقة، إقناع المشرعين الأمريكيين بطرح عملة معدنية فئة الدولار الواحد. و حسب آخر تقرير للمكتب صدر في عام 2012، فإن هذا التغيير سيوفر قرابة 150 مليون دولار أمريكي سنويا.
وقد يتعجل البعض فيستنتج أن استحداث العملات المعدنية لدينا هي مرحلة أولية تهدف إلى نشر ماكينات الرسوم في الأماكن العامة لتحصيل رسوم مقابل الخدمات العامة، و أنا لا أتفق مع هذا الطرح في الوقت الراهن لأنه باستطاعة الدولة تحصيل الرسوم عن طريق ماكينات تستخدم البطاقات البنكية كما هو معمول به في أماكن كثيرة من العالم، و لكن هذا لا يمنع حصولها مستقبلا.
وأرى أن الهدف المتوقع من طرح الدولة للعملات المعدنية فئة الريال والريالين أن يكون ذا عائد اقتصادي مجزي حيث يعود عليها بتوفير الكثير من الميزانية لأسباب كثيرة، منها أن عمر العملات المعدنية الافتراضي أعلى، حيث يتم تقديرها بحوالي 20 سنة بينما العمر الافتراضي للعملات الورقية هو حوالي أربع سنوات و نصف، وحيث أن استخدام الريال الورقي بشكل أكبر يعرضها للتلف فبالتالي تقوم مؤسسة النقد بتكبد تكاليف طباعة أوراق أخرى. وفي طرح العملات المعدنية أيضا تشجيع على استخدام البطاقات البنكية وذلك لأن المستهلك قد يتجنب حمل هذه العملات.
والحقيقة أن الأجدى اقتصاديا للدولة هو تقليل استخدام العملات بشكل عام وحث المستهلك على الدفع إلكترونيا، حيث أن هذا يوفر على الدولة قيمة طبع العملات، ولذلك يجب توفير أكبر عدد ممكن من نقاط البيع الإلكترونية وزيادة توعية المستهلك لتحقيق هذا الهدف.
ويرى بعض الاقتصاديين أن طرح عملة الريال و الريالين المعدني يجعل لها قيمة حقيقية و استخدام أكثر و ذلك لكثرة المنتجات قليلة السعر، و في ذلك علاقة بالتضخم حيث ستحد من تغيير التجار لأسعار السلع الاستهلاكية و جعلها بأسعار عادلة، و لذلك علاقة بمرونة الطلب السعرية.
كما يرى البعض أيضا أنها تحث المستهلكين على الشراء و استخدامها للتخلص منها و في ذلك تحريك العجلة الاقتصادية للسلع قليلة الثمن. و من فوائد العملات المعدنية أنها لا تستخدم خارج الدولة. هذا و قد طرح موضوع الفائدة الصحية لاستخدام العملات المعدنية مقارنة بالعملات الورقية، و لا أتفق مع هذا الطرح لأن هذا الموضوع اقتصادي بحت.
و مع كل تغيير تجد هناك من يعارض و من يساند و من لا يعير الموضوع أي اهتمام. و في ظل الوضع الاقتصادي الراهن على الوطن بشكل خاص و العالم بشكل عام، يتحتم على المسؤولين وضع الخطط اللازمة للتغيير و إنعاش الاقتصاد لمواجهة هذه التحديات و العمل على ما فيه مصلحة للوطن و المواطن. و تحضرني مقولة الشيخ/ محمد بن راشد في كتابه (رؤيتي) “لابد من التغيير و لا مفر من التأقلم السريع مع واقع متسارع. إذا أردنا أن نكون جزءا من العالم المتطور و ليس جزءا من العالم المتخلف فعلينا أن نطرح الزحف من تنميتنا و نواكب السرعة الكبيرة التي يتحرك بها العالم لذا لابد من التغيير”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال