الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ذكرت في مقال سابق “نحن لسنا أغنياء بما يكفي لشراء الأشياء الرخيصة” أن تباطؤ النمو الاقتصادي وتراجع السيولة المتاحة لا يعني أن يبالغ المستثمر في الحذر بحيث يتخذ قرارات عدم الاستثمار في مجالات قد يندم عليها لاحقاً، وهذا ما ينطبق على مستثمري القطاع الخاص والحكومة كذلك.
صعوبة المرحلة قد تعمل كحافز للمستثمر لدراسة الفرص المتاحة بحرص أكبر ولكنها لا يمكن أن تعني الانتظار بلا تحرك حتى تتحسن الأوضاع الاقتصادية لأنه ببساطة هذا هو الوقت المناسب للشراء -كما نقول عادةً- أي عندما تتراجع تكلفة الاستثمار أو الاستحواذ على أي منشأة استثمارية.
الجيد في الحالة السعودية أنه تم بناء احتياطيات في السنوات السابقة لتساعد في الأوقات العصيبة؛ لكن كيف تكون المساعدة؟ قد تأتي على وجهين:
1- تقليدي: أي تستخدم الاحتياطيات لسد العجز ودعم مستويات الإنفاق الحالية.
2- غير تقليدي: أي أن تستغل ناحية توفر الاحتياطيات لسد أي عجز في إثبات متانة الاقتصاد السعودي وبالتالي إصدار سندات حكومية للحصول على المزيد من السيولة بتكاليف منخفضة؛ ولتستثمر هذه السيولة في القطاع الخاص سواء محلياً أو دولياً.
قام صندوق الاستثمارات العامة –الذراع الاستثماري للحكومة السعودية- على مدار السنوات الماضية بواجبه على أكمل وجه في تمويل القطاع الخاص محلياً فنهضت مدن صناعية كبرى خلقت وظائف متعددة يشغلها السعوديون اليوم كما في الجبيل وينبع.
أما حالياً؛ فإن التوجه كما نرى يبدو مختلفاً وليس فقط من خلال التوجه للاستحواذ على أنشطة غير صناعية، بل أنشطة خارجية وكذلك الدخول في تحالفات دولية كما في حالة “سوفت بنك”. قد يتحفظ البعض على مثل هذه السياسة أو الاستراتيجيات الجديدة بحجة أننا لا زالنا بحاجة للمزيد من الاستثمارات المحلية وخلق الوظائف وهذا تحد كبير لا نختلف عليه مطلقاً. ولكن قد يكون هناك إيجابيات لاستراتيجة صندوق الاستثمارات العامة أو استراتيجية الإدارة المالية للدولة لأنه في النهاية مملوك من قبل الدولة. وهذه الإيجابيات يمكنني تلخيصها فيما يلي:
1- سياسة الاستثمار الخارجي للسعودية لطالما ما انحصرت في استثمارات مؤسسة النقد في الأدوات المالية مثل سندات الخزانة الأمريكية والتي لا تتعدى كونها تتبع اتجاهات سوق النقد عند ارتفاع أو صعود أسعار الفائدة بحجة أن هذه السندات ملاذ آمن. وبالتالي فمجرد الخروج من هذه الدائرة من خلال نهج مختلف يستهدف استثمارات حقيقية يعد تحولاً إيجابياً عند مقارنته بالاستثمار التقليدي في سندات الخزانة الأمريكية.
2- التنمية الاقتصادية محلياً يجب أن تكون تنمية “صحية” بمعنى ألا تكون ضخمة تستنزف الموارد وتضغط الاقتصاد المحلي لينتج عنها ارتفاع في تكاليف المعيشة يكون ضرره على المواطن أكبر من نفعه؛ فالتنمية الاقتصادية محلياً يجب أن تكون متوازنة لكي لا تكون ذات نفع كبير على مستوى الاقتصاد الكلي بينما يعاني الفرد آثارها الجانبية الحادة كالتضخم. وبالتالي فإن إدارة جزء من السيولة خارجياً وإعادتها تدريجياً للاقتصاد المحلي وفق خطة تنمية واضحة ليس بالفكرة السيئة.
3- نوعية الاستثمارات الخارجية التي تم الدخول فيها تسترعي التوقف قليلاً وإعطاء كل ذي حق حقه من الإشادة وإن كان البعض قد يرى أنه من المبكر الحكم على نجاحها من عدمه. لكنها تتميز كما يبدو باستشراف المستقبل وقراءة للفرص الاستثمارية في مجالات ربما تشهد نمواً مضطرداً في السنوات المقبلة مثل مجال الطاقة والمياه وخاصة الطاقة المتجددة وكذلك شركات تأجير السيارات التي ستغير مفهوم تملك السيارات الخاصة؛ ولن يكون من المستغرب أن تسمع أن صندوق الاستثمارات العامة قد اشترى حصة في إحدى كبريات شركات إنتاج السيارات خاصةً تلك التي تستثمر في السيارات ذاتية القيادة أو حتى التي تعمل باستخدام الطاقة الكهربائية.
وقد يتساءل البعض وهو تساؤل مشروع: لماذا تستثمر السعودية في شركات تنتج سيارات لا تعتمد على البنزين أو الديزل كوقود لها أو تستثمر في بدائل الطاقة المنافسة للنفط وهو مصدر دخلها الأساس؟ وقد يجيب أحدهم أن لدى السعودية خطة تحول وطني استراتيجية لتقليل الاعتماد على النفط؛ وضع كلمة “تقليل” بين قوسين لأنه قد يتبادر لأذهان الكثيرين أن تقليل الاعتماد على النفط أن تصبح مساهمته في إيرادات الدولة هي الأقل مقارنة بالقطاع غير النفطي؛ وهو ما قد يكون مبالغة في التصور أو سوء فهم. التوجه للاستثمار في الطاقة البديلة كالرياح أو الشمسية هو توجه استراتيجي هدفه تحويل الثروة النفطية إلى لقيم لصناعات أخرى كمشروع أرامكو وسابك المشترك المعروف بـ (Oil To Chemicals) تحويل الزيت أو النفط للكيماويات ومنها للصناعات البتروكيماوية التحويلية ذات العوائد الاقتصادية الأكبر جدوى من مجرد استخراج النفط وبيعه كمادة خام.
خلاصة القول أن صندوق الاستثمارات العامة يسير وفق استراتيجية متسقة مع أهداف برنامج التحول الوطني وأنها ليست مجرد استثمارات عشوائية أو مندفعة؛ وذلك عطفاً على نوعية القطاعات المُستثمر فيها ونموها المتوقع؛ وكذلك توقيت الاستثمار المثالي خاصة مع تراجع تكلفة الاستثمار الحالية. والحق يقال أن سياسة الصندوق الحالية فيها تنويع وانفتاح تأخر كثيراً إذا مات تمت مقارنة الوضع المحلي بدول الجوار الإمارات وقطر واللتان سبقتا السعودية كثيراً في تبني مثل هذه الاستراتيجات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال